بغض النظر عن مآل المسار القانونى لقضية جزيرتى تيران وصنافير، الذى تنظره المحكمة الإدارية العليا، فإن الكثير من المؤشرات تشى بأن إسرائيل ستكون الرابح الأكبرمن ضم الجزيرتين للسعودية، وأن تنازل مصر عنهما ربما سيكون الخطوة الأولى لإجراء تغييرات ضخمة على الخريطة السياسية والاستراتيجية وطبعا الجغرافية بالشرق الأوسط!
هناك مخاوف حقيقية من أن تحويل مضيق تيران من ممر مصرى خالص إلى ممر بحرى دولى إذا امتلكت السعودية الجزيرتين، سيمهد الطريق أمام إسرائيل لشق قناة جديدة، من البحر المتوسط لخليج العقبة عبر البحر الميت، أو لإنشاء خط سكة حديد لنقل البضائع بين البحرين، لتصبح قناة السويس مجرد «حمام سباحة»، كما قال حمدين صباحى فى لقاء تليفزيونى، وهو ما يهدد بفقدان مصر جانبا كبيرا عوائد المرور فى القناة، إضافة وهو الأهم فقدان جزء من اهميتها الإستراتيجية باعتبارها تملك أهم ممر مائى فى التجارة العالمية.
كما أن احتلال إسرائيل لمنطقة أم الرشراش المصرية منذ عام 1949، مكنها من الاستفادة من خليج العقبة بعد أن أنشأت ميناء إيلات على هذه الأرض المصرية، فى حين ان التنازل عن تيران وصنافير يجعلها تحقق انتصارا استراتيجيا جديدا، بامتلاكها حق المرور فى البحر الأحمر بحرية تامة، لم تكن تحلم بها ــ أو بالأحرى كانت تخطط لها قبل اغتصابها أرض فلسطين أصلا.
وتأتى هذه المكاسب الإسرائيلية متزامنة مع الكلام عن «توسيع كامب ديفيد» لتشمل السعودية وربما دول خليجية أخرى، بهدف تكوين حلف سنى – تسانده إسرائيل طبقا لتصريحات منسوبة لعادل الجبير وزير الخارجية السعودى – لمحاصرة الخطر الإيرانى، إذا ما تحول هذا الصراع السنى الشيعى إلى مواجهات عسكرية مباشرة. وربما يكون الاتفاق التركى الإسرائيلى على تطبيع علاقتهما وتطويرها فى مختلف المجالات على رأسها العسكرية والاستخباراتية، خطوة مهمة فى هذا الاتجاه.
أما ترحيب حكومة بنيامين نتنياهو المبالغ فيه بالتنازل عن الجزيرتين للسعودية، فقد تجاوز النقاش حوله فى الداخل الإسرائيلى حدود اقامة مشاريع بمليارات الدولارات لربط البحرين الابيض والأحمر، وحساب الأرباح الفلكية المنتظرة منها، إلى الحديث عن «شرق أوسط جديد»، يتم بمقتضاه تبادل أراض بين دول المنطقة، وقبول إسرائيل «كدولة طبيعية» وسط محيطها العربى فى مواجهة الخطر الإيرانى، الذى تخشى إسرائيل من «نواياه النووية»، ومشاريعه لامتلاك قنبلة ذرية.
خلف التنازل عن الجزيرتين للسعودية، تقبع عشرات الأسئلة المتعلقة بهذه القضايا المصيرية الخطيرة، دون أن يهتم أحد فى حكومتنا بطرحها للنقاش العام، وليس طبعا الإجابة عنها، بل الأخطر من ذلك أن هناك رغبة رسمية عارمة لتأجيل مناقشة البرلمان لاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية التى تم بمقتضاها التنازل عن الجزيرتين لها، مع أن كل الوثائق المعتبرة تؤكد مصريتهما بدون أدنى شك، استنادا إلى اتفاقية لندن عام 1840، ثم اتفاقية 1906 التى انتزعت من مصر ملكية الساحل الشرقى لخليج العقبة بما يشمله من موانئ، ليستمر الإقرار بملكية مصر للجزيرتين دون أدنى تشكيك، لا من انجلترا ولا من الباب العالى، ولا حتى من إمارة جبل شمر على الأراضى السعودية المواجهة للجزيرتين.
قد تربح الحكومة المعركة القضائية بصدور حكم لصالحها فى المحكمة الإدارية العليا، بل وحتى قد تنجح عبر أغلبيتها المتمثلة فى ائتلاف «دعم مصر» فى تمرير اتفاقيتها مع السعودية، ولكنها فى كل الأحوال ستخسر أى تأييد لجموع الشعب المصرى، بما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات غاضبة، بالتأكيد لا تريد السلطة فى مصر أن تحدث فعلا على أرض الواقع!