فى نهاية إبريل 2011، أجرى كاتب هذه السطور حوارا مطولا مع خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان حينها، لمناقشة نوايا جماعته حول الاستحقاقات الانتخابية التى كانت ستجرى بعد شهور.
فى الحوار الذى شاركنى فيه الزميل محمد خيال ونشر بـ«الشروق»، تعهد رجل الإخوان القوى الذى خرج من السجن قبل أسابيع، بعدم مشاركة جماعته فى الانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى منتصف 2012، ووعد بأن جماعته على استعداد أن تشارك باقى القوى السياسية فى قائمة موحدة فى الانتخابات البرلمانية، «بشكل يضمن عدم رجوع جماعات المصالح التى أفسدت الحياة السياسية من قبل».
أسهب الرجل فى شرح الأسباب التى قال إنها ستمنعهم من المشاركة على أغلبية مقاعد الاستحقاقات المقبلة، مشيرا إلى أنهم يدركون جيدا أن نظام مبارك استخدمهم كفزاعة على مدى 30 سنة فى الداخل والخارج، ولا يريدون أن يدعموا ما تم ترويجه عنهم.
الشاطر أكد أيضا أن جماعته تدرك أن «البلد واقعة.. ولا يوجد فصيل أيا كان حجمه يمكنه أن يشيل الشيلة لوحده»، مشددا على أنهم قرروا أن يرسلوا رسالة إلى الجميع مفادها «لا تقلقوا.. نريد أن نضع أيدينا فى أيدى الجميع من أجل إنقاذ مصر».
الشاطر ضرب مثلا لما جرى فى الجزائر وفلسطين عندما حاز الإسلاميون على نصيب الأسد فى استحقاقات انتخابية، وقال: «عندما حاز الإسلاميون على الأغلبية فى الانتخابات بالجزائر انقلب عليهم الجيش، وفى غزة انقلب الغرب على الشعب الغزاوى وفرض عليه الحصار بسبب وصول حماس للسلطة.. فى حالة وصولى للحكم فهناك تخوف منا، فهل أنظر تحت قدمى فقط وأبحث عن مصلحة الجماعة فقط حتى أصل للحكم بكره، أم أنظر لمصلحة البلد ككل؟».
ووصل الشاطر فى حواره معانا إلى بيت القصيد عندما قال إنهم أرادوا بقراراتهم السابقة ألا يكونوا سببا مباشرا فى قتل الحياة السياسية فى مصر وتعطيل المسار الديمقراطى، وأنهم يخشون من أن يؤدى وصولهم للسلطة إلى «أن يغير الجيش من موقفه.. نحن لا نريد ذلك بالمرة».
وعن إعلان أبو الفتوح عن ترشحه فى الانتخابات، قال: «المتفق عليه بأن الجماعة ليس لها مرشح ولا أعتقد أن أحدا سيدعمه»، وحول توقع البعض بأن يتغير موقف الإخوان ويكون هو مرشحهم عندما تحل انتخابات الرئاسة، قال: «لا أستطيع أن أحجر على تفكير الإخوان لكنى لا أبحث عن منصب سياسى خارج الجماعة».
عقب هذا الحوار بأسابيع، بدت الدولة فى نظر الشاطر ورفاقه لقمة سائغة فقرروا بلعها وهضمها وحدهم، وانقلبوا على كل تعهداتهم السابقة، وضعوا أيديهم على أغلبية مقاعد البرلمان، ثم قرروا خوض معركة الرئاسة.
وما إن وصل مرشح الجماعة إلى «الاتحادية»، حتى بدأت معركة الإقصاء ثم التمكين والسيطرة على مفاصل الدولة، وهو ما استفز الشركاء قبل الخصوم، فأجمع كل الفرقاء على الخلاص من الرئيس الراحل محمد مرسى وأسقاط حكم الجماعة.
فعلها الشاطر، وانقلب هو وجماعته على ما وعدوا به، فحدث كل ما حذر منه، أُصيبت الحياة السياسية فى مقتل، وتعطل المسار الديمقراطى، وانتكست أحلام 25 يناير فى بناء دولة مدنية حديثة قائمة على الكرامة والحرية والعدالة والمشاركة وتداول السلطة وسيادة القانون.
منذ تأسيسها قبل نحو قرن من الزمان، أثبتت التجارب أن جماعة الإخوان هى المعول الذى يضرب كل محاولة لتأسيس نظام ديمقراطى، استخدمتها الأنظمة المتعاقبة كشماعة لتبرير استبدادها واحتكارها للسلطة، لو أدرك أعضاء هذا التنظيم ما فعلوه بهذا الوطن خلال العقود السابقة لقرروا حل جماعتهم قبل أن تحل بقرار حكومى، حينها كنا لربما تخلصنا إلى الأبد من الكثير من مشاكلنا السياسية.