مدن مصر أصبحت مرتعًا للكلاب الضالة. هذه الضالة أصبحت وباء خطيرا، بعد أن أوشكت اليوم أن تدخل بيوت الناس لتقتات، بعد كثرتها بشكل غير محتمل. سلوك الناس وإدارة الأحياء والقرى والمدن وهيئة الطب البيطرى كلها تتحمل المسئولية فى استشراء تلك الظاهرة، فمن خلال القمامة التى تلقى فى الشوارع، وعدم جمعها أول بأول، تنتشر الكلاب. بل إننا أحيانا كثيرة ما نجد البعض يقدم لتلك الحيوانات الغذاء بشكل عمدى من قبيل الرحمة بالحيوان، وكأن الفقراء والجوعى من البشر لم يعد لهم وجود حتى يقوم هؤلاء بتقديم الغذاء للكلاب الضالة.
قديمًا قالوا الخير والبركة فى الضأن والماعز، إذ لا يلد أى منها عادة إلا سخلة واحدة (السخلة هو صغير الضأن والماعز)، ومعظم الكلاب تلد ما بين 6ــ8 جراء، ورغم ذلك وضع المولى عز وجل البركة فى الأولى، فهى كثيرة والثانية قليلة. سلوك الإنسان قلب النظرية، فأصبحت البركة فى الكلاب الضالة، والقلة من نصيب الضأن والماعز.
فى مصر ووفقًا لدراسة أعدها د.شمس سعيد الأستاذ بوزارة الزراعة فى يناير الماضى يوجد بمصر نحو 20 مليون كلب ضال، وبمقارنة ذلك مع عدد الضأن والماعز وفق منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، فإن بمصر نحو 9 ملايين و800 ألف رأس من الضأن والماعز، وهو تقريبًا عدد يشكل سُبع ما تملكه السودان من تلك الثروة وفق نفس المصدر. بعبارة أخرى أصبح لدينا اليوم ثروة مأساوية كبيرة من الكلاب الضالة تفوق ضعف الضأن والماعز، يجب التخطيط الجيد للخلاص منها.
فالمشكلات التى تسببها الكلاب الضالة كبيرة، فهى تنقل الأمراض وعلى رأسها السعار القاتل والمميت، وكذلك البروسيلا والسل وإنفلونزا الكلاب، وكلها ناتجة عن طفيليات الحويصلات الهوائية والمائية وغيرها، وبعض تلك الأمراض تسبب الإجهاض لدى النساء.
فى الفقه الإسلامى حياة الإنسان أولى من حياة الحيوان. وقد حث الحديث النبوى على قتل الكلاب العقورة والمرقطة. بسبب الأمراض التى تنقلها، وبسبب حال الإزعاج الكبيرة التى تنتاب الآمنين، خاصة الأطفال والنساء، ناهيك عن كم القذورات غير المحدود التى تخلفه بسبب تواجدها الكبير فى الشوارع وأسطح المنازل والمتنزهات، ناهيك عن التواجد على أسقف السيارات.
الهيئات الرسمية المسئولة عن المواجهة تخاف من المواجهة الحاسمة بسبب القلوب الرهيفة لدى البعض، والخشية من الشكاوى، واتهام جهات المقاومة بالبشاعة وعدم الرحمة، وكأن الرحمة بهذه الكائنات أولى من الرحمة بالإنسان، وأولى من صحته، وأولى من التلوث البيئى متعدد الأشكال الذى تحدثه الكلاب. هؤلاء عادة ما يرفعون لافتة حقوق الحيوان، والتى تحتها يتهم من يقترب منها بمخالفة المواثيق الدولية، أو تشويه صورة مصر أمام المحافل الدولية. وبعض هؤلاء يتزرعون بالدين، ويستنطقون بعض العلماء ويخيفونهم لمنع الاقتراب من الكلاب الضالة، ويجتزئون كلامهم من سياقه لتبرير بقاء هذا الوباء.
لو إننا قمنا ضمن الحملات القومية التى تقوم بها الدولة للعناية بصحة الإنسان من حياة كريمة و100 مليون صحة وخلافه، بتخصيص أسبوع واحد فقط للخلاص من الكلاب بأى طريقة، وليكن بإخصاء الذكور منها، وكررنا هذا العمل بعد عدة أشهر لإخصاء ما كان اليوم جراء وكبر خلال تلك الفترة لأدى ذلك للقضاء على تلك الحيوانات القذرة إلى الأبد. وليتنا نقوم بمواجهة مماثلة، وإن كان بطرق مختلفة للقوارض والذباب، حتى نقضى على أحد مسببات الأمراض والعدوى بين الناس، ناهيك عن فاقد الغذاء والحبوب التى تقتات عليها تلك القوارض.
بالتواكب مع كل ذلك وضمن دوره فى تأمين المجتمع فإن على مجلس النواب أن يسرع فى سن تشريع يعالج ظاهرة الكلاب الضالة المستفحلة والمتنامية بهذا الشكل الكبير. جدير بالذكر أن أحد نواب المجلس سبق وأن تقدم فى الصيف الماضى باقتراح بمشروع قانون يتصل بتنظيم اقتناء الكلاب والحيوانات غير الأليفة فى المنازل، وذلك على خلفية ما تسببه تلك الكلاب من مشكلات للغير، سواء بالنباح المزعج للغاية، أو ترويع الآمنين إبان الخروج بها فى الشوارع، أو تلويث الأماكن النظيفة بقاذوراتها، وذلك كله أسوة بالمجتمعات المتحضرة والمتمدينة. وكلنا كثيرًا ما سمع وقرأ عن العقور، تلك الكلاب التي تهدد حياة لناس فى الشوارع بمجرد انفلاتها من يد أصحابها ،وهى بدون كمامات. بعبارة أخرى، فإنه يجب ألا يسرع المجلس فى سن هذا التشريع فقط، بل ويضيف له سبل مواجهة الكلاب الضالة فى الشوارع، حتى تكتمل المعالجة.