هناك العديد من الدروس المستفادة التى يمكن استنباطها من أسبوع انتخابات مجالس إدارات الأندية الرياضية فى مصر. بداية لم يكن قرار تحديد موعد الانتخابات موفقا، وتسبب حشد أعضاء الجمعيات العمومية للأندية الكبرى فى حالة من الشلل فى مختلف شوارع القاهرة والجيزة، خاصة وقد أقيمت انتخابات بعض الأندية الكبرى فى ذات اليوم! فإقامة انتخابات مجلس إدارة نادى الجزيرة الرياضى فى نفس موعد إقامة انتخابات نادى الصيد حول مناطق الزمالك والدقى وكوبرى السادس من أكتوبر والمناطق المحيطة إلى موقف سيارات كبير، وكان على أعضاء الجمعية العمومية فى الناديين أن يمضوا اليوم بأكمله فى الشوارع، خاصة إذا تصادف جمعهم لعضوية الناديين، كما حدث بالضبط مع كاتب المقال. هذا درس بسيط جدا فى بديهيات التخطيط، والتنبؤ بتداعيات القرارات بغرض الاستعداد لها.
الدرس الثانى الذى نستقيه من هذا الأسبوع الصعب هو حالة الفوضى التى صاحبت الدعاية الانتخابية داخل وخارج الأندية. بداية اعتاد كثير من المرشحين اختراق خصوصية الأعضاء، إذ انهالوا عليهم برسائل الدعاية عبر هواتفهم الشخصية، بينما فشلوا هم ومندوبوهم فى المحافظة على سلامة وانسيابية العملية الانتخابية داخل الأندية. بعض الأعضاء لقوا مصرعهم من شدة الزحام، كثير من الأعضاء كانوا يصلون بصعوبة بالغة إلى لجانهم الانتخابية ثم يعودون أدراجهم ليبحثوا عن أماكن تسجيل بياناتهم أولا، والحصول على بطاقات تفيد هذا التسجيل، وتمنح الحق فى التصويت فى الجمعية العمومية للنادى. كان من السهل جدا أن يقوم العدد الكبير من مندوبى المرشحين بدور التوعية والإرشاد وتسهيل إجراء الانتخابات على الناخبين، عوضا عن إعاقة سيرهم ومضايقتهم بالإلحاح والتلحمة!
***
التواجد الكثيف للمرشحين ومندوبيهم «داخل» الخيمة الانتخابية فى حرم اللجان مباشرة، لا يعنى شيئا سوى عدم احترام القواعد والأعراف الانتخابية، بل وعدم احترام اللجنة المشرفة على الانتخابات ذاتها والتى أخذ أعضاؤها فى بعض الأندية يصيحون فى المذياع الداخلى محذرين من ممارسة أنشطة الدعاية داخل اللجان، دون أى أثر فعال لصياحهم، ودون احترام من قبل المرشحين للعملية الانتخابية، بما يحمله ذلك من نذر استمرار الفوضى تحت رئاسة هؤلاء المرشحين إن هم حصلوا على الأغلبية. وهذا الدرس تحديدا هو أسوأ ما يمكن تعلمه خلال تلك التجربة، لأن شيوع الفوضى فى هذا النوع من الانتخابات يجعل المشاركة فيها عبئا لا يتحمله الناخب إلا مضطرا، وليس رغبة منه فى التطوير والتحديث. يزيد من هذا الشعور المقيت بالاضطرار، إلى شيوع مزيد من الفوضى، تلك القرارات المعيبة التى تفرض غرامات على من يتخلف عن المشاركة فى الانتخابات! يحتشد كثير من الأعضاء على خلفية هذا القرار بمزاج سيئ لتأدية واجب ثقيل، فى ظروف تعمها الفوضى، لاختيار أى مرشح، فقط للتخلص من عبء الغرامة! الأمر الذى قد ينتهى بانتخاب مرشحين لا ينتمون إلى موقع المسئولية، ولا يتحملون مقتضيات التحديث والتطوير.
الانتخابات نتج عنها أيضا فوز بعض المرشحين الذين اعتادوا الطعن فى خصومهم، ورفض نتائج الانتخابات متى جاءت مخيبة لتوقعاتهم. التصويت لهذا النوع من المرشحين يحتاج إلى دراسة نفسية جماعية للناخبين، خاصة أولئك الذين يقرون علنا بأن فلانا شخص سيئ وبذىء، لكنه يقوم بأعمال مفيدة للنادى تستوجب التصويت لصالحه! الحط من الوزن النسبى للأخلاق فى تقييم المرشحين، وقبول المزايا العينية بأى تكلفة، مطوية بغلاف من التردى والجهر بالسوء، لا يستغرق منك وقتا طويلا حتى تربطه ببداية انهيار المجتمعات عند ابن خلدون.
***
من الدروس والعبر المستفادة كذلك قوة وسائل التواصل الاجتماعى، وقدرتها على فرز المرشحين. كثير من الناخبين الجادين الذين لم يحضروا للتصويت خوفا من الغرامة، ولا طمعا فى الهدايا والامتيازات، قاموا بعمل دراسة مستفيضة للناخبين وبرامجهم، وتذاكروا سيرهم الذاتية، وتبادلوا المعلومات والنصائح حول المرشحين عبر المنتديات وغرف الدردشة ومواقع التواصل الشهيرة مثل الفيسبوك وتويتر. كذلك لعب الاقتصاد التشاركى دورا مهما فى هذه التجربة الانتخابية، متمثلا فى تطبيقات نقل الأفراد، وأكواد الدعاية المشجعة لاستخدامها، والتى لو أمكن التوسع فى الاعتماد عليها من قبل المشاركين، التخفيف عن الشوارع بشكل كبير. تنظيم تلك التطبيقات وفقا للقانون المزمع مناقشته فى البرلمان المصرى عما قريب، ربما يتضمن أسباب فشله والقضاء عليه فى مصر!.
الدعاية المغالى فيها على القنوات الفضائية وصفحات الجرائد، وأعلى أعمدة الإضاءة بالطرق والشوارع والكبارى، وعلى حاملات الإعلانات... خاصة تلك التى شاعت أثناء المنافسة الحادة بين قائمتى مرشحى النادى الأهلى، تثير العديد من علامات الاستفهام حول العائد المتوقع للفوز، والتكلفة الضخمة التى يتحملها المرشحون فى سبيل الوصول إلى رئاسة وعضوية مجالس إدارات الأندية!. صفحات كاملة فى صحف قومية وحزبية وخاصة، حاملات دعاية يقدر إيجار الواحدة منها بالملايين فى بعض المواقع... كل ذلك وغيره من أجل ممارسة عمل يغلب عليه التطوع والتضحية بالوقت والمجهود للقيام بخدمة عامة.
أذكر انتخابات مميزة لمجلس إدارة نادى الجزيرة حضرتها صغيرا، وفاز برئاسة مجلس الإدارة على أثرها المرحوم الدكتور هاشم فؤاد، والذى كان فى رأيى (ورأى الكثيرين) أفضل من ترأس مجلس إدارة النادى فى تاريخه الحديث. ما لفت انتباهى حينئذ أن الفائز بالانتخابات كان الأقل دعاية بين المرشحين. فبينما أنفق المنافسون الملايين على الدعاية، كان الدكتور هاشم قد اكتفى بطباعة منشور «فلاير» بسيط باللغة الإنجليزية لا أحسبه كلفه أكثر من مئات الجنيهات!
***
من الدلالات الكاشفة أيضا لنتائج الانتخابات، إيثار الناخبين (فى غالبية الأندية) للمرشح الذى يحظى بالشعبية، وبسجل إنجازات واضح (فى أى مجال)، وبدعم تمويلى مباشر أو عبر رعاة، من أجل التغلب على الصعوبات المالية لتلك الأندية، وتلبية احتياجات التطوير وتجهيز المواقع الجديدة.
لاحظت خلال انتخابات الأندية هذا العام ظهور بعض الوجوه التى احترفت خوض الانتخابات على اختلاف أنواعها. وكذا احترفت السقوط المروع فى جميع تلك الانتخابات! لا أعرف ما هو عنصر الجذب فى تلك الوجوه الذى يرشحها لخوض المعارك الانتخابية المختلفة، بخلاف الملاءة المالية الضخمة، وإدمان الظهور بالطبع! عموما لا عيب فى الإصرار وتكرار المحاولة طالما أن تلك المزاحمة لا تؤثر على سلامة العملية الانتخابية، ولا ينتج عنها انتخاب أشخاص يسعون إلى الأضواء، وإلى مسمى وظيفى جذاب يتصدر عدسات التلفزيون عند مشاركتهم بمداخلات بغرض تعزيز الشهرة.
انتخابات الأندية أحيانا تكون عنصرا مساعدا للإحماء للانتخابات السياسية، ونحن على مشارف انتخابات رئاسية منتصف العام القادم، بدأت ملامح المنافسة فيها تتكشف أخيرا عبر سلسلة من المفاجآت. خوض أى تجربة انتخابية فى دولة لا تنعم بزخم ديمقراطى ملائم لحجمها وتاريخها، ولا توجد بها انتخابات للمحليات، ولا يشارك معظم الناس فى انتخاباتها البرلمانية، يشحذ الهمم للاستعداد لمشاركة إيجابية فى الانتخابات الرئاسية القادمة، وربما يساهم فى تصدير بعض الوجوه إلى مقدمة المنافسة على مقعد الرئاسة، حتى لا نعود أدراجنا إلى زمن الاستفتاءات، ولا أحسب عاقلا فى مصر يريد ذلك.