نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب بتاريخ 4 ديسمبر تناول فيه تبنى الولايات المتحدة استراتيجية جديدة لتجريد موسكو من العائدات النفطية من خلال فرض سقف لأسعار النفط الروسى، متسائلا إن كانت تلك الاستراتيجية ذات جدوى أم لا؟...نعرض من المقال ما يلى:وبرغم التشكيك الصادر من هنا أو هناك بجدوى هذه الاستراتيجية الغربية، تصر الولايات المتحدة، صاحبة هذه الفكرة، على أن حرمان موسكو من العائدات النفطية يرقى أو يسمو فى الأهمية عن الدعم العسكرى والاقتصادى الغربى لأوكرانيا لتمكينها من إلحاق الهزيمة بروسيا. ولهذه الغاية، جرت مداولات واسعة فى أروقة وزارات المال للولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبى وأستراليا. يتزامن ذلك مع النقاشات الدورية التى يشهدها حلف شمال الأطلسى حول السبل الأفضل لتزويد كييف بأنظمة للدفاع الجوى يمكن أن تُشكّل مظلة تقى أوكرانيا من وابل الصواريخ الروسية. الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية لحلف الأطلسى أثيرت فيه بجدية احتمالات تزويد أوكرانيا بأنظمة باتريوت المضادة للصواريخ. وتسريع شحنات الأسلحة الغربية وتكثيفها يجرى على قدم وساق متجاهلا تحذيرات من نفاد المخزون الأوروبى من بعض أنواع الأسلحة.
إنما هذا وحده لا يكفى. من هنا أتت الاستراتيجية التى صاغتها وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ولقيت موافقة بقية دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبى وبريطانيا وأستراليا وقوامها «الحفاظ على إمدادات نفطية موثوقة للسوق العالمية بينما يتم خفض عائدات الاتحاد الروسى من النفط». والسبيل إلى ذلك سيكون عبر فرض سقف لأسعار النفط الروسى بحدود 60 دولارا للبرميل الواحد. هذا السقف سيسرى اعتبارا من الغد على المنتجات النفطية الروسية المحمولة على متن السفن. والغاية من الخطة إنشاء ما يسمى بـ«كارتل مشترين» يتحكم بسعر موارد الطاقة الآتية من روسيا. كما يهدف هذا الإجراء إلى تعزيز فاعلية الحظر الذى كان الاتحاد الأوروبى قد فرضه على شراء النفط الروسى عبر البحر اعتبارا من 5 ديسمبر الحالى أيضا. ويفترض أن يؤدى الحظر إلى إلغاء ثلثى مشتريات أوروبا من النفط الروسى.. وتوصلت أمريكا إلى خطة تحديد السقف، انطلاقا من اقتناعها بأن الطاقة هى السلاح الأمضى الذى يمكّن روسيا من الاستمرار فى الحرب ضد أوكرانيا. وبحسب الخبير فى قضايا الطاقة فى معهد جاك ديلور، فوك فين نجوين، فإن روسيا كسبت 67 مليار يورو من مبيعاتها النفطية إلى الاتحاد الأوروبى منذ بداية الحرب فى أوكرانيا بينما تبلغ موازنتها العسكرية السنوية نحو 60 مليار يورو. وهكذا كانت موسكو قادرة على تمويل حربها من جيوب الأوروبيين الذين تقف دولهم فى مواجهتها اليوم. وتراهن مجموعة السبع على أنها تستطيع ممارسة هيمنتها على سوق التأمين للتقليل من الفرص أمام مشترى النفط الروسى، لتفادى السقف المفروض على الأسعار. إذ إن 90 فى المائة من خدمات التأمين العالمية تتركز فى دول المجموعة. والمقصود هنا على الغالب الصين والهند.
ويقول منتقدو الخطة إنها يمكن أن تؤدى إلى اضطرابات فى السوق العالمية أو إلى إحداث «صدمة نفطية». وهذا مصرف «جى. بى. مورجان» يحذر فى تقرير له صدر فى يونيو الماضى، من أنه إذا نفّذت روسيا وعيدها بقطع إمدادات النفط عن الدول التى تلتزم سياسة سقف الأسعار، فإن سعر برميل النفط قد يقفز إلى 380 دولارا. وهذا سعر أكبر من أن تتحمله أى دولة فى العالم.
وردا على تحديد سقف لأسعار النفط، من المرجح أن تخفض روسيا الإنتاج لدعم رفع الأسعار وسط تباطؤ فى الطلب، مما يدفع الأسواق إلى الصعود. ثم هناك دول منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبيك» التى تترقب كيف ستنعكس عليها خطة مجموعة السبع، فضلا عن تحالف «أوبيك+» الذى تتشارك السعودية وروسيا فى قيادته.
ناهيك عن ذلك، فإن آليات الدفع والتأمين الثنائية بين روسيا وكلٍ من الصين والهند، تشير إلى أن القوى غير الغربية لديها أيضا القدرة، على تحييد قطاعات حيوية فى التجارة العالمية، عن السياسة التى تحددها الولايات المتحدة. وعلاوة على الحسابات الجيوسياسية التى تتحكم أيضا بالمبادلات التجارية، فإن المشككين بجدوى الخطة الغربية، يلفتون الأنظار إلى أن سعر النفط الروسى يبلغ حاليا 65 دولارا، مما يُقلّل كثيرا من تأثير هذه الخطة. والبعض يقول إن تحديد السقف بـ60 دولارا، كان الهدف منه إغراء روسيا بمواصلة بيع النفط وفق النمط الحالى، وعدم اللجوء إلى خطوة قطع الإمدادات والتسبب بأزمة نفطية عالمية. المسار الغربى لمحاصرة روسيا اقتصاديا، قد يصب فى مصلحة الصين والهند، باعتبارهما من أكثر الدول استيرادا للطاقة الروسية. ويبقى أن السوق النفطية التى شهدت تجاذبا بين أمريكا و«أوبيك +» مع قرار التحالف النفطى خفض الإنتاج بمليونى برميل يوميا، مرشحة لمزيد من الاهتزاز، على وقع حرب تستخدم فيها كل الأسلحة من الصواريخ إلى الطاقة.. وصولا إلى الغذاء.
النص الأصلي