يحار الإنسان فى ظاهرة بقاء قوى الأمة العربية، سواء أكانت أنظمة حكم أم كانت قوى مدنية، لا تدور ردود أفعالها تجاه الكوارث الهائلة التى يعيشها الوطن العربى إلا فى أشكال الشجب الذى لا يقدم ولا يؤخّر، وإلاّ فى أشكال استجداء الآخرين أن يقوموا نيابة عنهم بالأفعال والمغالبة ومعاقبة الجناة. لكأنّ العرب يؤكّدون صدق ما قاله العالم الشهير ألبرت آينشتاين «بأن العالم ليس خطرًا بسبب ما يرتكبه البعض من مصائب وإنما بسبب الذين يشاهدون المصائب ولكنهم لا يفعلون شيئًا». الكلمة الأساسية فى هذا القول هى كلمة الفعل وليس الشجب أو الاحتجاج.
يا ليتنا فقط نذكّر أنفسنا بوعى وفهم بما قاله كُثر عن الأهمية القصوى لممارسة الفعل فى حياة الفرد وحياة الأمم السياسية. يقول العالم الشهير توماس أديسون: «سنتفاجأ وننبهر لو أننا قمنا بكل الأفعال القادرين على فعلها». ويقول ت.هـ. هكسلى: «أعظم ما فى الحياة ليست المعرفة وإنما هو الفعل». ويقول جون رسكن: «ما يخطر بأفكارنا، أو ما نعرف، أو ما نعتقد، ليس له فائدة كبرى فى المحصلة، ما يهم ويفيد هو الذى ما نفعل». أما الشاعر الأشهر شكسبير فإنه يصرخ بلسان بطله هاملت: طابق الفعل على الكلمة، وطابق الكلمة على الفعل.
بل دعونا لا نذهب بعيدًا، فنبى الإسلام العظيم محمد (ص) ما كان ليستطيع نشر رسالة الوحى السماوية خارج مكة لو أنه لم يقرن القول والدعوة بحرارة الفعل الجهادى فى تغيير الواقع.
ما يستنتجه الإنسان من كل ذلك أن الأقوال بجميع أشكالها وحِدِّتها هى لتبرير الأفعال، ليس إلا. والمواقف السياسية التى لا تستند إلى أفعال فى مرحلة ما تنقلب إلى مواقف جوفاء لا تغيرّ الواقع الحياتى. وهذا يفسر أنه لتمجيد الفعل قامت، فى أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، حركات سياسية تحت اسم «الفاعلين» كردّ فعل لما فعله السكوت السياسى من قبل البعض تجاه أهوال تلك الحرب ومرتكبيها.
تتوّج تلك الملاحظات والأقوال ما كرّره مرارًا تاريخ البشرية من أن الحقوق وكرامة الأوطان لا تستعاد إلا بالكفاح الفاعل وخوض المعارك ضدّ الأعداء، وليس بإعلانات الشجب والغضب والاستجداء. وتاريخ استقلال كل الأقطار العربية وخروجها من أيادى الاستعمار ما كان ليتحقق إلا بفعل التضحيات الجسام، دمًا لا دموعًا فقط.
ومن متابعة بيانات القمم العربية والإسلامية وسائر القمم الاقليمية هى خلوها من قرارات عقابية فاعلة ضد الجهات التى تتآمر على مختلف شعوب الوطن العربى وعلى الأخص المؤامرة الإجرامية الصهيونية التى يمارسها الكيان الصهيونى، بمساندة من الاستعمار الأمريكى والأوروبى، ضد شعب غزة الفلسطينى المناضل الصابر، وضد شعب لبنان ومقاومته المساندة لإخوتها فى النضال فى غزة، وضد شعب سوريا الذى يساند المقاومة ويسهل قيامها ببطولاتها الرائعة، وضد شعبى العراق واليمن اللذين وقفا مع المقاومة بكل إمكانياتهما. ولا تعّوض عبارات الشجب والغضب والتهديد الممتازة التى تجئ فى البيانات مساندة لتلك الشعوب العربية وضدًّا لما يرتكبه الكيان وساندوه، لا تعّوض ذلك الغياب المفجع لقرارات الفعل والعقاب المطلوبة والضرورية، وعلى الأخص بالنسبة للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والسياحية والثقافية.
لقد بقيت جميع تلك البيانات طوال السنوات الماضية غير متوازنة فيما بين القول والفعل، وهو ما يبرّر استخفاف القوى المعادية لقضايا العرب بكل اجتماعات وبيانات اجتماعاتهم بمستوياتها المختلفة ومسمّياتها المتعددة.
من هنا أيضًا وجود الاستخفاف الشعبى العربى بتلك الاجتماعات والبيانات التى يعرف مسبقا أنها لن تؤدى إلى إيقاف هجمات الأعداء ولا إلى إطفاء الحرائق المشتعلة فى كل مكان.
هناك ضرورة ملحّة أن يعرف قادة الأقطار العربية وقادة البلدان الإسلامية بأنهم يجب أن يوقفوا استمرار هذه الظاهرة المعيبة فى الممارسات السياسية العربية والإسلامية. ونعود فنكرّر بأن الحياة السياسية التى يكثر فيها القول ويقل فيها الفعل فى الواقع تنقلب إلى ثرثرة ونحر للكرامة. ونطالبهم بأن يعيدوا إلى الحياة السياسية فى بلدانهم رونقها وروحها وحيويتها التى يغلّفها منذ عدة عقود السّواد والبؤس.
أما الشعوب فإنها مطالبة بأن ترفع شعار: نطالب بالأفعال وليس بالأقوال.