استباحة الآخر - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 5 أكتوبر 2024 4:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استباحة الآخر

نشر فى : الثلاثاء 5 أبريل 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 أبريل 2016 - 10:40 م
هى سمة من سمات المجتمعات المأزومة أن يطغى العنف اللفظى على الفضاء العام وتحل الاتهامات المتبادلة بين المختلفين فى الفكر والرأى محل النقاش الموضوعى.

هى سمة من سمات المجتمعات المأزومة أن تنتقل عدوى ادعاء احتكار الحقيقة من الحكام السلطويين وأعوانهم وحلفائهم إلى بعض معارضيهم الذين يزعمون الدفاع عن الحقوق والحريات وهم لا يقلون فاشية عن الأولين، ومن مبررى السلطوية من إعلاميين ورجال دين وسياسيين إلى الكثير من الكتاب والأكاديميين الذين يتصرفون كأصحاب الملكية الحصرية للمعرفة والعلم ولا يخجلون من تسفيه آراء المختلفين معهم.

هى سمة من سمات المجتمعات المأزومة أن تصبح إما الانحيازات الإيديولوجية أو العوائد المنتظرة من المواقف المعلنة هى معايير التقييم الوحيدة لأفكار وآراء المنشغلين بالشأن العام. لا محاولة للفهم الحقيقى عبر الخطوط الفاصلة بين اليسار واليمين، أو بين العلمانيين والباحثين عن مكان للدين فى المجال العام والحياة السياسية. لا تضامن متجاوز للانحيازات الإيديولوجية مع الكثير من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وإن مارسه البعض ففى سياق انتقائية لا أخلاق بها وبحث مريض عن وجاهة الدفاع عن الحقوق وقابلية للتخلى عن التضامن مع الضحايا إذا عبروا علنا عن ما لا يعجب بعض المتضامنين ــ وكأن على الضحايا تجرع مرارات الظلم صمتا، والتنازل عن الحق فى التعبير الحر عن الرأى.

هى سمة من سمات المجتمعات المأزومة أن يشخصن كل اختلاف فى الفكر والرأى، وأن ينصرف منتجو العنف اللفظى إلى الاغتيال المعنوى للآخر باستباحة حياتهم الشخصية، وإثارة الشكوك غير الموضوعية بشأن مساراتهم المهنية، والسخرية من أفكارهم عوضا عن الاشتباك الجاد معها دون ادعاء احتكار الحقيقة أو التورط فى الاستعلاء.

هى سمة من سمات المجتمعات المأزومة أن يغيب التراكم المعرفى والعلمى والفكرى عن الفضاء العام، وأن تهيمن الرداءة بكل مكوناتها من عنف لفظى ومكارثية تسفه الرأى الآخر وانحيازات إيديولوجية لا تعرف قيمة الحوار وتضامن مع ضحايا الظلم مرهون بصمتهم واستعلاء مريض باسم حقيقة هى من كل ذلك براء.

تلك هى سمات المجتمعات المأزومة، وتلك هى الظواهر البائسة التى تحاصر الفضاء العام المصرى اليوم.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات