هوامش تفسيرية.. لماذا ينتصر اليمين المتطرف انتخابيا؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 1:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوامش تفسيرية.. لماذا ينتصر اليمين المتطرف انتخابيا؟

نشر فى : الجمعة 6 سبتمبر 2024 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 6 سبتمبر 2024 - 10:20 م

ها هو مجمل نتائج انتخابات القارة الأوروبية بين خواتيم ٢٠٢٣ وما مر من ٢٠٢٤، من الانتخابات البرلمانية فى هولندا وانتخابات البرلمان الأوروبى مرورا بالانتخابات البرلمانية المبكرة فى فرنسا ووصولا إلى انتخابات الولايات الشرقية فى ألمانيا، تثبت مجددا أن صعود اليمين المتطرف فى أوروبا صار حقيقة سياسية لا يمكن تجاهلها.

أصبح اليمين المتطرف القوة الانتخابية والسياسية الثانية فى عديد البلدان الأوروبية، يسبقه فقط يمين الوسط ويليه اليسار بكل أطيافه الاشتراكية والخضراء.
ومن موقعه الراهن، وليس فوز حزب البديل لألمانيا بانتخابات برلمان ولاية تيرنجن وحلوله ثانيا فى برلمان ولاية ساكسونيا سوى علامة إضافية على صعود اليمين المتطرف بعد أن دخل إلى الائتلافات الحاكمة مشاركا أو ضامنا وبعد أن حقق سياسيوه انتصارات غير متوقعة فى انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية كثيرة، يستطيع يمين فيلدرز الهولندى ومارى لوبن الفرنسية وسياسيى الشرق الألمانى الشعبويين أن يفرض على جدول أعمال القارة العجوز أولوياته المتمثلة فى إغلاق أبواب أوروبا فى وجه الأشخاص المهاجرين واللاجئين، والتضييق على من وصل منهم بالفعل، ودفع سياسات الهوية باتجاه وطنيات شوفينية قد تسعى إلى تفتيت الاتحاد الأوروبى ذاته.
• • •
يحدث ذلك بينما أوروبا تعانى من استمرار الحرب الروسية ــ الأوكرانية ومن كلفتها الباهظة إنسانيا واقتصاديا وماليا وعسكريا؛ حيث يشتعل سباق تسلح أوروبى يتشابه مع عسكرة القارة خلال الحرب الباردة بين خمسينيات وثمانينيات القرن العشرين وبعد أن ظنت الشعوب الأوروبية أن نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتى السابق يضمنان عدم تفجر الحروب على أراضيهم وعدم العودة إلى سباقات تسلح مكلفة وغير مجدية (كسباق الصواريخ النووية متوسطة المدى فى ثمانينيات القرن العشرين). وقد ثبت خطأ ظن الأوروبيين.
يحدث ذلك بينما أوروبا بصعود اليمين المتطرف فى بلدانها تتماثل أحوالها السياسية والمجتمعية مع غلبة الخطاب السياسى الشعبوى والمتطرف على اليمين فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث يتحول الحزب الجمهورى إلى حزب يسيطر عليه دونالد ترامب، الرئيس السابق والمرشح المعتمد لانتخابات الرئاسة فى خريف 2024 والرجل المهووس بترحيل الأشخاص المهاجرين ومنع قدوم مهاجرين جدد إلى الولايات المتحدة، والمقتنع بأولوية تفتيت مؤسسات الديمقراطية الأمريكية. ولا تختلف حالة أوروبا أو حالة الولايات المتحدة عما أفرزته وتفرزه صناديق الانتخابات فى بعض بلدان أمريكا اللاتينية (البرازيل فى بداية العقد الراهن والأرجنتين فى الفترة الراهنة) وبعض البلدان الآسيوية التى تعقد بها انتخابات تعددية (الفلبين مثالا).
وفى عمومية صعود اليمين المتطرف فى البلدان الغربية وفى عديد البلدان التى سارت على درب التحول الديمقراطى فى الجنوب العالمى ما هو أزمة وجودية كبرى لنموذج الحكم الديمقراطى بمكوناته المرتبطة بتداول السلطة سلميا وسيادة القانون وحماية الأقليات وضمان حقوق وحريات كل المواطنات والمواطنين دون تمييز. فاليمين المتطرف يهدد أحيانا بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات إن لم يفز بها. وفى الموقف العنيف لدونالد ترامب وجموع مؤيديه المتطرفين فى أعقاب فوز جو بايدن فى انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 ونزوعهم نحو عدم الاعتراف بالنتائج وتشكيكهم إلى اليوم فى شرعية الانتخابات ما يدلل بوضوح على الخطر الذى يمثله اليمين المتطرف فى هذا الصدد. أما فيما خص سيادة القانون، فاليمين المتطرف لا هم له سوى تفريغها من المضمون والفاعلية. فحزب البديل لألمانيا، والذى حصل على المركز الثانى فى انتخابات البرلمان الأوروبى متخلفا فقط عن الحزب المسيحى الديمقراطى وصار فى الشرق الألمانى القوة الحزبية الثانية، تورط بعض قياداته فى تجمعات سرية تستهدف الانقلاب على النظام الديمقراطى فى ألمانيا وتعطيل العمل بالدستور والقوانين، خاصة ما يرتبط منها بضمانات تحمى وجود الأشخاص المهاجرين واللاجئين. ولا تسجل أحزاب وحركات اليمين المتطرف احتراما يذكر لمبدأ استقلال القضاء ونزاهة المحاكم، بل يحملون عليه وعليها ويكيلون الاتهامات بحثا عن مكاسب سياسية.
فيما خص مسألة حماية الأقليات، فاليمين المتطرف ينطلق من خطابات سياسية ومقاربات انتخابية تضطهد الأقليات العرقية والدينية واللغوية وتستدعى نظرة شوفينية للوطنيات فى البلدان الأوروبية والولايات المتحدة وفى بلدان الجنوب العالمى هدفها إلغاء وجود الأقليات. ولليمين المتطرف مقاربة بالغة الرجعية والتمييز ضد السود والعرب والمسلمين والنساء من المهاجرات واللاجئات وضد مجموعات قوس قزح.
• • •
فى القارة الأوروبية تحديدا، يدفع الصعود غير المسبوق لليمين المتطرف والعنصرى إلى حالة من الاستقطاب السياسى والمجتمعى ضحيتها الأولى هو التعايش السلمى والخلاق بين الأغلبيات والأقليات، وضحيتها الثانية هو القبول العام لتجربة الاندماج الأوروبى ولمؤسسات الاتحاد التى تريد مارى لوبن فى فرنسا وحزب البديل لألمانيا والأحزاب المتطرفة فى هولندا والسويد تفتيتها، وضحيتها الثالثة هى أجندة السياسة فى أوروبا التى لم يعد لها من قضية فى الصدارة غير أوضاع الأجانب واللاجئين وكأن قضايا كفقر الأطفال واتساع الفجوة بين الفئات الميسورة ومحدودة الدخل وأخطار التغير المناخى لا وزن لها ولا أهمية.
بالقطع، تستنفر أحزاب يمين الوسط وأحزاب اليسار ومعها قطاعات مجتمعية مؤثرة لمواجهة اليمين المتطرف والعنصرى، وتتعالى أصوات ذات قبول عام لمطالبة مواطناتهم ومواطنيهم بحسم اختيارهم فإما قبول أوروبا المتنوعة عرقيا والمتسامحة دينيا والمنفتحة (بحساب) على الأجانب واللاجئين وإما التسليم بتحول القارة العجوز إلى قلعة للعنصريين والشوفينيين الذين حتما سيفتتون اتحادها ويصطنعون توترات خطيرة بين أغلبياتها وأقلياتها. غير أن الأمر المسلم به أيضا هو أن مواجهة أمثال لوبن وحزب البديل لألمانيا لن تحسم لا اليوم ولا غدا ولن تنهيها لا انتخابات برلمانية مبكرة فى فرنسا ولا تهميشهم فى ائتلافات حاكمة جديدة على مستوى الولايات الألمانية. فقد صار اليمين المتطرف والعنصرى من ثوابت السياسة والانتخابات الأوروبية، وصارت قضاياه من مرتكزات النقاش العام ومحددات التفضيلات الشعبية. والشاهد أن القوى والأحزاب التى تصل إلى مثل هذه الوضعية وتمزج بينها وبين عموم الحضور فى كافة أركان القارة العجوز لا يتوقع لها التراجع أو الانزواء قريبا، خاصة ونحن نمر عالميا بلحظة يشتد فيها ساعد أقصى اليمين غربا وشرقا وشمالا وجنوبا.
• • •
يحدث كل هذا بينما استمرار الحرب الروسية ــ الأوكرانية وغياب أفق الحلين العسكرى والسياسى، يختبر فى أوروبا حدود الالتزام التقليدى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بدرء الصراعات المسلحة عن أراضى القارة العجوز وحلها سلميا وقصر التدخلات العسكرية على حالات الضرورة القصوى (الحرب الأهلية فى يوغوسلافيا السابقة فى تسعينيات القرن العشرين). اليوم، وبعد تورط الأوروبيين منذ ربيع 2022 فى تقديم السلاح والمال لأوكرانيا وفى فرض عقوبات تضرهم هم أيضا اقتصاديا على روسيا ومع غياب أفق الحل، يواجه الأوروبيون سؤال «وماذا بعد؟» وتتعامل معه حكوماتهم بغموض لا يعجب المواطن/ المواطِنة. فالأغلبية الساحقة من الشعوب الأوروبية، وفقا لاستطلاعات الرأى العام الأخيرة، تريد إنهاء الحرب بحل سلمى وسياسى وترفض مواصلة تقديم الدعم العسكرى والمالى باهظ التكلفة لكييف وتضع علامات استفهام على استقبال النازحين والنازحات من أوكرانيا فى بلدان القارة.
يحدث كل هذا، وحكومات أوروبا لا تعيد النظر فى سياساتها وقراراتها ومن ثم تفتح الباب على مصراعيه لتعبير الناخبات والناخبين عن غضبهم فى صندوق الأصوات بتأييد أقصى اليمين وأحيانا بالتصويت لأقصى اليسار حين يتبنى نفس الرفض للحرب وذات الشعبوية ضد الأشخاص المهاجرين واللاجئين (تحالف سارة فاجنكنشت الألمانية ونتائجه فى انتخابات برلمانات ولايتى تيرنجن وساكسونيا نموذجا).
‎أستاذ علوم سياسية، بجامعة ستانفورد

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات