لم يكن مبارك يمتلك أى قدرات خاصة، تؤهله ليحكم بلدا بحجم مصر لمدة 30 سنة كاملة، يفعل فيها وبها ما يشاء، سوى انه كان ابنا شرعيا للنظام السياسى الأمنى المشوه القائم على الاستبداد، الذى أقامه عبدالناصر، وورثه للسادات من بعده.
فالرجل كان متوسط الذكاء، وبلا خيال سياسى، ويكره القراءة والكلام الكبير على حد تعبيره هو شخصيا، كما كان يفتقد لأى رؤية فكرية توافرت وإن بدرجات متفاوتة لسلفيه. ومع ذلك فقد تفوق الرجل عليهما بجدارة فى انه «ابن سوق» بالمعنى «الحرفى» لا «المجازى» للكلمة، فكان دور مصر الإقليمى وثقلها الثقافى فى المنطقة بالنسبة له «كلام لا يودى ولا يجيب»، وكانت مصر بالنسبة له «شركة تجارية» يمتلكها هو وأسرته، لا «دولة عريقة بالغة فى القدم»، فأدار البلد على كل المستويات بالمفهوم التجارى لا السياسى لحسابات الربح والخسارة، لدرجة انه سلم مفاتيح هذه «الشركة» لابنه جمال لكى يغريه بالعودة لمصر، بعد أن رفض ترك لندن حيث كان يعمل فى أحد بنوكها، لانه لم يجد عملا مناسبا له فى مصر، فكان الحل الوحيد المناسب ــ من وجهة نظر العائلة ــ هو أن يعود ليشتغل رئيس جمهورية!
بمنطق الشركة، ارتكب مبارك جرائم كبرى بحنثه باليمين للحفاظ على دستور 71، فقاد قطار الخصخصة لبيع شركات ومؤسسات القطاع العام بعمولات بالملايين سرقها رجال نظامه، رغم ان هذا الدستور كان يؤكد ان القطاع العام هو الذى يجر قاطرة التنمية.. وبنفس المنطق فتح الباب أمام المحاسيب للسيطرة على اقتصاد البلد والاستيلاء على ثرواتها، وتغاضى تماما عن انتشار الفقر والأمراض السرطانية بصورة وبائية بين ملايين الفقراء، وانهيار التعليم وزيادة البطالة والعشوائيات.
وبهدف الحفاظ على رئاسته لهذه الشركة، ساعد امريكا فى مخططاتها لحصار العراق وضربه بأسلحة محرمة دوليا وقتل ملايين الأطفال العراقيين، من أجل إسقاط صدام حسين، كما شارك الحكومات الإسرائيلية مخططاتها فى حصار قطاع غزة وتجويع أهلها، وتقسيم السودان بكل ما أدى إليه من تهديد للأمن القومى والمائى لمصر.
المأساة الكبرى، أن مبارك الكبير الذى ذهب بتذكرة ذهاب بلا عودة لسجن طرة بانتظار مفاجآت النقض، ترك لنا وراءه مئات الألوف من النسخ الصغيرة المكررة منه، تنتشر كالجراد فى كل مؤسساتنا الرسمية والخاصة، وتتبنى نفس أفكاره، وتبث ذات سمومه، لتؤكد ان دولة مبارك أو ــ بمعنى أصح ــ شركة مبارك، لا تزال قائمة وتعمل بكفاءة برعاية من اطراف متعددة منذ سقوطه وحتى الآن!
وبانتظار ان يقول ميدان التحرير كلمته الأخيرة باتفاق كل أطرافه على برنامج انقاذ وطنى لا يحتكره طرف ما، سيظل «مبارك وشركاه» يحكمون مصر!