لم يعد ممكنا تجاهل حالة الشك والقلق بشأن المستقبل والرمادية التى بات يشعر بها قطاع متزايد من المواطنات والمواطنين. أسرفنا خلال الفترة الماضية، ولا أستثنى نفسى، فى نقاشات سجالية حول الدستور أولا فى مواجهة الانتخابات أولا، حول المبادئ الحاكمة للدستور ومدى أهميتها، حول الدولة المدنية فى مواجهة المرجعية الدينية، حول التيارات الليبرالية فى مواجهة التيارات الدينية، حول الموقف من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وغيرها. والنتيجة المريرة هى أن هذه النقاشات مجتمعة لم تقدم للوطن خريطة طريق واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية ولم يعد المواطنون يعلمون عن مسارات الأحداث والتطورات المتوقعة ما يكفى للشعور بالطمائنينة والتفاؤل بالغد.
الرمادية هى سيدة الموقف وشعار اللحظة. فلا موعد للانتخابات البرلمانية معلوم ولا قانون للانتخابات توافقت عليه القوى السياسية والوطنية. وبافتراض أن الانتخابات البرلمانية ستنظم فى سبتمبر القادم، لا يعلم أحد الكثير عن الجدول الزمنى الذى سيعقبها وعن التراتبية المحتملة للانتخابات الرئاسية والدستور الجديد. ذات الرمادية هى أيضا سيدة الموقف فيما يخص محاكمة رموز النظام السابق وقتلة المصريين ومداها الزمنى، وهو ما يستغل فى الترويج لسيل لا يتوقف من شائعات اللامضمون عن تباطؤ متعمد وصفقات تعقد خلف الأبواب الموصدة.
كل هذا بينما تبدو بعض الأحزاب مهمومة فقط بحساباتها الضيقة بشأن تنسيق انتخابى وقوائم مشتركة اختزلت إليهما وثيقة التحالف الديمقراطى من أجل مصر التى بدت حين الإعلان عنها مبشرة. كل هذا بينما الأحزاب الجديدة تتكالب على موارد مالية وتنظيمية محدودة كى تتنافس على إقناع المواطنين بلافتات مازالت بعيدة عن أن تتحول إلى برامج محددة لها أن نفذت أن تحقق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية المنشودتين. كل هذا بينما الأوضاع الأمنية والاقتصادية الضاغطة بقسوة على المواطنين على حالها السىء لا تتحسن.
يكفى هذا. فالمسئولية الوطنية ومسئولية الأمل فى مصر الديمقراطية والعادلة اجتماعيا يقتضيان فعلا مغايرا منا جميعا وضبطا لبوصلة العمل السياسى والعام باتجاه وضع خريطة طريق توافقية للمرحلة الانتقالية.
آن الأوان للقوى السياسية والوطنية لأن تترك وراءها النقاشات السجالية، ولأن تجتهد لإنجاز توافق حول ملامح النظام السياسى الجديد الذى نريد بناءه وحول العقد الاجتماعى الجديد بين الدولة والمجتمع والمواطنين، ولأن تربط بين الأمرين وبين جدول زمنى واضح للانتهاء من المرحلة الانتقالية.
غدا أكمل.