فى كتابه «الملك والكتابة» وصف صديقنا الكاتب الصحفى المبدع محمد توفيق العلاقة بين الكاتب والرئيس ــ أو بين المَلِك والكتابة ــ فى الفترة من 1950 حتى عام 2000، بأنها بالغة التعقيد والغرابة!
فالرئيس وفقا لما أورده توفيق فى مقدمة كتابه الصادر حديثا عن دار دلتا للنشر يريد «تصفيقا حادا، وتهليلا مبالغا فيه، واتفاقا على طول الخط، وشيكا على بياض، وانصياعا تاما، ودفاعا مستميتا، وطاعة عمياء، وتقديرا لكل أفكاره، وتبجيلا لرؤيته، واندهاشا من قدرته، وحديثا دائما عن إنجازاته، واعتقادا راسخا بأنه لا يخطئ؛ لذا يبحث عمن يتفق معه، ويوافقه الرأى، ويُعجب بأفكاره، ويفتح فمه مندهشا من عبقريته».
وبالتالى فالخلاف بين الكاتب والرئيس شبه محتم ما دام الكاتب حُرا، ومبدعا، وخلاقا، وصاحب موقف، ولديه رأى، ويملك رؤية. لكن الأزمة تبدأ حين يتحول الاختلاف إلى خلاف حاد، ثم ينتقل إلى مرحلة الصدام الذى دائما ما يدفع الكاتب ثمنه وحده، فالرئيس عادة لا يدفع الثمن، والدلائل كثيرة جدا».
فى «الملك والكتابة» عدد توفيق عشرات الوقائع التى دفع فيها الكاتب ثمنا لخلافه مع السلطة بدءا من عام 1950 وصولا إلى نهاية القرن الماضى، وسرد الكاتب قصصا لنقل أصحاب القلم إلى منافذ شركة باتا للأحذية، فضلا عن نفى وسجن العشرات فقط لأنهم تجاسروا ومارسوا حقهم فى نقد قرارات وسياسات أصحاب الفخامة والسيادة.
توفيق يرى أن هذا هو قدر الكاتب الحق، والثمن الذى لابد أن يدفعه ليبقى حرا، «هذا هو قدر الصحفيين وعذاب الصحافة، لكن عذابها كان غراما».
فى حفل توقيع الكتاب الذى أقيم بنقابة الصحفيين مساء الخميس الماضى وشارك فيه الناقد طارق الشناوى وأداره صديقنا الكاتب الصحفى محمد هشام عبية، نوه صاحب «الملك والكتابة» إلى أنه بصدد كتابة جزءين آخرين من الكتاب يتناول فيهما العلاقة بين السلطة والصحافة، على أن يكون الجزء التالى بعنوان «حب وحرب وحبر».
«الملك والكتابة» استغرق 10 سنوات من عمر توفيق حتى يصل إلى يد القارئ، فجمع قصص وحكايات وصراعات السلطة والصحافة من أرشيفات دار الكتب ومكتبة الإسكندرية والمؤسسات الصحفية ليس بالمهمة السهلة، لكن الكاتب نجح فيها بامتياز وتدخل فى ترتيبها وصياغتها وربطها ببعض البعض ببراعة، وذلك لإيمانه بأن «قصة الصحافة ليست قصة مهنة وإنما قصة بلد بكل ما فيه من مبدعين ومدعين، ولصوص وشرفاء، وأثرياء ومهمشين، وأبطال وخونة، ومشهورين ومغمورين، وزعماء وظرفاء، ومهرة وعجزة، وعلماء وجهلة، وعبيد وأحرار، وكذابين وأتقياء، وانكسارات وانتصارات».
«الملك والكتابة» توقف عند عشرات القصص الدالة على محاولات السلطة ــ ملك وثلاثة رؤساء ــ لحصار الصحافة وتدجين الصحفيين، وكيف تمكن أهل القصر من شراء ذمم أهل أصحاب القلم مرة بالعصا ومرات بالجزرة، وكيف استطاعت الفئة الناجية أن تمسك على جمر المهنة مهما كانت الكلفة باهظة.
كما سرد توفيق المعارك التى دارت فى شارع الصحافة بين أصحاب الحظوة من كتاب اختاروا النوم على عتبات قصور الحكم وبين أهل المهنة الذين انحازوا للحقيقة، واستدعى فى نهايات الفصل الثانى معركة شهيرة دارت على ضفاف أحداث 18 و 19 يناير 1977، حيث خرجت كل صحف القاهرة تتهم المتظاهرين بالتآمر والتخريب، باستثناء مجلة واحدة فقط هى التى خرجت عن النص واختلفت مع توجهات السادات التى وصفت الأحداث بـ«انتفاضة الحرامية»، ووصفت مجلة روزاليوسف بقيادة صلاح حافظ ما جرى بـ«انتفاضة الخبز» فاشتبكت معها جريدة الأخبار التى كان يرأس تحريرها فى هذا الوقت موسى صبرى وشككت فى وطنية حافظ واتهمته بالتآمر على النظام بعد نشرها ترجمة لمقال انتقد السادات فى «الهيرالد تربيون» الأمريكية، بعدها استدعى الرئيس المؤمن حافظ إلى استراحته بالقناطر وسأله «هل مازلت مصرا على تسمية ما جرى فى أحداث 18 و19 يناير بانتفاضة الخبز؟»، فأجابه حافظ: «نعم»، فرد الرئيس: إذن رئيس تحرير روزاليوسف الجديد يجلس فى الغرفة المجاورة لنا، وصدر القرار بإقالة صلاح حافظ وفتحى غانم وعبدالرحمن الشرقاوى بعد تلك الواقعة.