خلال العقود الأربعة الماضية شهد العالم ثلاثة تطورات مذهلة على صعيد حركة الاتصالات والمعلومات، أولها التوسع فى استخدام شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). ثانيها، ظهور القنوات الفضائية. ثالثها، التوسع فى استخدام الهواتف النقالة أو الجوالة حديثة الصنع (الموبايلات).
ما سبق أدى إلى ثورة معلومات حقيقية، جعلت العالم كله بين يدى من يملك جهاز كمبيوتر أو طبقا لاقطا مع تليفزيون أو هاتفا نقالا (موبايل) متطورا. خاصة وأن كل ما سبق من أدوات أصبحت رخيصة الثمن، ما جعلها لا تقتصر على طبقة أو شريحة اجتماعية بعينها.
فى هذا الموضوع نركز على الأمر الأخير وهو الهواتف النقالة (الموبايلات) التى من خلالها، ومن خلال الأداة الأولى أيضًا (الإنترنت)، يستطيع الفرد أو الجماعة التواصل مع الجميع، مع من يعرف ومن لا يعرف حول العالم.
المؤكد أن الخبرة ومستوى التعليم والأخلاقيات والقيم التى يتحلى بها الإنسان، والمصالح بين الفواعل السياسية سواء الدول أو غير الدول، هى الوحيدة الكفيلة بتحديد طريقة استخدام الموبايل وغيره من أجهزة الاتصالات المتطورة، وما بات يعرف بالتفاعل البشرى عبر شبكات التواصل الاجتماعى. صحيح أنه فى السنوات الأخيرة ظهرت تشريعات وقوانين محلية وإقليمية ودولية تحكم استخدام تلك الوسائل، وتحد من نشاط من يسعى إلى تخريب العلاقات الإنسانية الفردية والجماعية، وتفرض تلك التشريعات عقوبات كثيرة على من يسىء استخدام تلك الآليات. لكن يبدو أن التقدم التقنى المستمر المستغل فى التخريب هو أسرع من تلك التشريعات، مما يجعل الجناة والمجرمين يفرون بغنيمتهم قبل أن تلاحقهم أيدى العدالة.
وهناك عديد المشكلات التى يثيرها من يسىء استخدام الهواتف النقالة (الموبايلات) أولها اختراق الخصوصية، عبر بث التسجيلات المصورة والتسجيلات الصوتية أو حتى المكاتبات والوثائق، والغريب أن بعض تلك الأمور ينشرها صاحب المصلحة غير مكترث بعواقب تداولها، وما ستؤدى له من جرح لكرامته أو لخصوصية منزله.
المشكلة الثانية، وهى لها علاقة بمسألة الخصوصية، تتعلق بانتشار السرقات، إذ إن تداول صور كروت الائتمان، وبطاقات الهوية وما شابهها، أحيانًا ما يؤدى إلى استغلال الغير لتلك المنشورات المتداولة للعبث بالحسابات البنكية للسطو على الأرصدة بطرق ملتوية ووسائل وحيل إلكترونية غريبة. ما يجعل البعض يتجه للتحوط بالامتناع عن استخدام تلك الوسائل التى تسهل عليه التعاملات المادية، كرفض حمل بطاقات الائتمان خوفًا من السطو عليها بأى وسيلة.
المشكلة الثالثة، هى إساءة الأدب بين الناس ليس فقط فى مواقع التواصل الشهيرة كالفيس بوك وخلافه والتى لا يعرف المتحدثون بعضهم البعض بالضرورة، بل وأيضا فى المواقع الخاصة كالواتس أب وما شابهها، التى يعلم المتحدث فيها مستمعيه، وهذا ينتشر عادة فى المواقع المخلقة بين العاملين فى مهنة أو موقع عمل أو دفعة دراسة أو موقع سكنى. هذا الأمر مرتبط بآداب الحوار وخرق مباشر لما قاله المولى عز وجل (لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) النساء 114، وهى أمور على أى حال تساعد على الفتن والرزائل وبث الكراهية ونشأة الأحزاب وخلق الشلل والفرق والأتباع.
المشكلة الرابعة، الترهيب النفسى عبر آليات كثيرة منها الدين على سبيل المثال، وهو ما نلاحظه فى تداول مقطوعات (بوستات) خرافية مثل قل كذا وتداوله بين عشرة أو يزيد تدخل الجنة، أو يحدث ما يسعد وطال انتظاره.. إلخ.
المشكلة الخامسة، نشر الشائعات والفبركة الإخبارية التى تسهم فى تداول الفتن، وتحث على عدم الثقة بين الناس، وعادة ما تكون تلك المشكلة تخص العلاقة بين المجتمع والدولة، وهى لا يمكن السيطرة عليها إلا من خلال وجود إعلام كفء ونزيه وشفاف يمنع بداية وجود تلك الشائعات، إلى جوار جهاز إعلامى متابع يسعى للرد الفورى على تلك الشائعات.
المشكلة السادسة، ظهور مواقع موسمية تختص بهدم أمر محدد، وأبرز أمثلة ذلك فى مصر وبعض الدول الأخرى، استهداف التعليم من خلال ضرب عملية تقويمه، عبر نشر الامتحانات وتداول إجاباتها، ما يهدف لزعزعة الثقة فى النظم السياسية الحاكمة.
أخيرًا وليس آخرا، ابتزاز الغير من خلال نشر الصور الفاضحة الحقيقية أو المصطنعة، وعادة ما يكون معظم أطراف تلك الأخبار من النساء، بما لا يؤدى فقط على نشر الرزيلة، بل وأيضا هدم كيان الأسرة.
كل ما سبق وغيره من أمور هو أبرز مساوئ مواقع التواصل الاجتماعى، والاستخدام السلبى للموبايلات، وهى على أية حال، من الأمور المنتشرة بكثافة فى تلك الأيام، والتى عجزت وسائل الضبط الرسمى من خلال التشريعات وغيرها عن ملاحقتها ومواجهتها بكثافة والسرعة المطلوبة، فتحولت لوسائل تخريب اجتماعى رغم أن بعضها لم يخل من فوائد.