قتال تراجعى لمحور الممانعة؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:16 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قتال تراجعى لمحور الممانعة؟

نشر فى : الإثنين 5 أكتوبر 2020 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 5 أكتوبر 2020 - 9:50 م

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب حازم صاغية، تناول فيه موقف كل من لبنان وسوريا من مسألة التطبيع مع إسرائيل... جاء فيه ما يلى:
حين طُبعت العلاقات بين دولتى الإمارات العربية والبحرين، ودولة إسرائيل، اتجهت الأنظار فورا إلى دمشق: كيف سترد قلعة الصمود والمقاومة؟ هل ترضى بالتطبيع، وفى الذاكرة كل ما قالته عن أنور السادات وياسر عرفات والملك حسين وأمين الجميل؟
دمشق لم ترد على الخطوة الخليجية ــ الإسرائيلية. لقد رضيت بما حصل. حتى العبارة الشهيرة التى تقال تعليقا على الضربات العسكرية الإسرائيلية، من أن سوريا تختار زمان الرد ومكانه، لم تُسمع. رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والتلفزيون والإذاعة كلها صمتت. تُرك الأمر للموظفين: بثينة شعبان، المستشارة الإعلامية والسياسية للرئاسة السورية، قالت لقناة «الميادين»: «لا أعلم ما هى مصلحة أبوظبى؟». لقد حلت اللاأدرية فجأة محل اليقين. «حزب البعث العربى الاشتراكى» تولى الرد: لقد ندد، فى بيانين حادى اللهجة، بـ«العدوان السافر على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى». لكن كلام البعث كلام بعثى لا يُحمل على محمل الجد.
كتاب ومعلقون ذهبوا، فى قراءتهم هذا الصمت المصحوب بظروف سورية أخرى، أبعد من ذلك. تساءلوا: متى يذهب بشار الأسد إلى تل أبيب؟ متى يبدأ التفاوض السورى ــ الإسرائيلى برعاية أمريكية؟
هذا لم يحصل حتى الآن. لكن شيئا منه حصل فى البلد المجاور الذى لا يقل ممانعة عن الجار الأكبر: لبنان. رئيس مجلس النواب نبيه برى أعلن عن التوصل إلى «اتفاق إطار» لبدء محادثات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل. أما أن يأتى الإعلان من برى، حليف «حزب الله»، لا من رئيس الجمهورية ميشال عون، فيوحى أن الدولة الموازية، لا الدولة الأصلية، هى التى تبادر وتشارك فى تحمل المسئولية.
يزيد فى فداحة ما حصل أن الأمم المتحدة سترعى العملية وتشرف عليها. لكن الفداحة تبلغ ذروتها حين تلعب الولايات المتحدة، أى «الشيطان الأكبر»، دور الوسيط والمسهل لهذه العملية.
الحدث الخطير ترافق مع لغة جديدة تتحدث عن «المصالح المشتركة» و«تنمية الموارد» و«شعوب المنطقة». إن فى الأمر رائحة تطبيع ما مع «كيان صهيونى» نشكك بوجوده!
تصاحب ذلك مع شىء آخر غير مألوف: انتشار قوة عسكرية من قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) فى بيروت ومنطقة المرفأ. جريدة «النهار» ذكرت أن الانتشار تمهيد لتمدد قوات الطوارئ نحو الحدودين الشرقية والبحرية «وإيكالها مهمات مراقبة جديدة لمنع عمليات التهريب، تحقيقا للرغبة الأميركية التى أعربت عنها واشنطن إبان مناقشة مجلس الأمن قرار التجديد لهذه القوات فى أغسطس) الماضى وعدم استمرارها مقيدة». للتذكير فقط: «حزب الله» لم يكتم عداءه الشديد لتوسيع عمل قوات الطوارئ التى لم يتوقف عن اتهامها بالسهر على خدمة إسرائيل، كما دفع «الأهالى» (؟!) غير مرة للاصطدام بها.
إذن، بعيدا من الخطابة الرنانة حول إسرائيل وفلسطين، ومن الكذب المتمادى على الفلسطينيين، ثمة شىء آخر يجرى فى المنطقة:
فى 7 مايو الماضى، يوم كُلف مصطفى الكاظمى بتشكيل حكومة عراقية جديدة، لاح كأن صفحة بدأت تُطوى: الإيرانيون وميليشياتهم فى العراق يوافقون على ترئيس رجل كانوا يشتمونه ويخونونه قبل أيام. أحد فصائلهم (كتائب حزب الله) لم يتردد فى اتهامه بالتواطؤ فى مقتل قاسم سليمانى.
هنا بدأ الشك الإيرانى بحظوظ المشروع الخمينى فى منطقة المشرق. استعادة حركة «حماس» إلى الصف الممانع قليلة جدا ومتأخرة جدا: طهران مستنزَفة اقتصاديا ومعزولة إقليميا ودوليا. حليفها الأسد يملك ولا يحكم، فيما الصوت الأقوى فى سوريا هو الصوت الروسى. نظام إيران سيد العارفين بهذه الحقيقة. «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية ليست فى وضع شعبى تُحسد عليه فى بلديها. هذا ما كشفته ثورتا البلدين، ثم فاقمه، فى لبنان، انفجار المرفأ.
هذا لا يعنى أن «محور الممانعة» استسلم، أو أنه يستسلم. إنه، على الأرجح، يخوض قتالا تراجعيا يملأ به الوقت الضائع فى انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية. والقتال التراجعى هذا من شقين: تقديم التنازلات من جهة، وممارسة الشغب من جهة أخرى. فى خانة التنازلات يمكن أن نضع الانحناء أمام التطورات التى سبقت الإشارة إليها، أما فى خانة الشغب فيندرج إفشال المبادرة الفرنسية فى لبنان، وإطلاق الصواريخ «الغامضة» فى العراق.
وهى، على قصرها، قد تكون مرحلة مقلقة وحرجة يقدم فيها الممانعون التنازلات لأمريكا وإسرائيل، فيما يمارسون الضغط على من يعتبرونهم حلفاء محليين لأميركا وإسرائيل. هذا سلوك ينتمى إلى مدرسة عريقة عندنا، مدرسة كان حافظ الأسد أستاذها الأبرز.

التعليقات