السودان بين التطبيع والابتزاز الأمريكى - محمد عصمت - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 8:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السودان بين التطبيع والابتزاز الأمريكى

نشر فى : الإثنين 5 أكتوبر 2020 - 9:55 م | آخر تحديث : الإثنين 5 أكتوبر 2020 - 9:55 م

وصلت الضغوط الأمريكية على مجلس السيادة الحاكم فى السودان لتطبيع علاقات الخرطوم الدبلوماسية مع إسرائيل إلى أحط درجات الابتزاز، بربط إقدام السودان على هذه الخطوة برفع اسمه من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهو الأمر الذى فتح جبهة جديدة من المناوشات والمناكفات وسط الفئات المختلفة فى المجتمع السودانى، وبين السلطات الحاكمة أيضا.
ففى حين تؤكد الحكومة السودانية التى يرأسها عبدالله حمدوك أنها لا تملك بحكم طبيعتها الانتقالية أية صلاحيات لاتخاذ قرار استراتيجى بالتطبيع مع إسرائيل، فإن القادة العسكريين فى مجلس السيادة الذى يحكم السودان لفترة انتقالية من المفترض أن تنتهى بانتخابات برلمانية فى النصف الثانى من عام 2023، يبدو متلهفا على التطبيع اليوم قبل الغد!.
السبت الماضى نظم نائب رئيس مجلس السيادة السودانى محمد حمدان دقلو قصيدة شعر فى عشق إسرائيل خلال حوار تليفزيونى، مشيدا بعظمتها فى ميادين التكنولوجيا والزراعة، وبحاجة السودان إليها، قائلا فى نهاية قصيدته بوضوح: «شئنا أم أبينا، فإن موضوع رفع اسم السودان من قائمة الارهاب مربوط بإسرائيل»!
«دقلو» الشهير باسم «حميدتى» المتهم بارتكاب جرائم حرب فى دارفور، بالإضافة إلى اعتداءات على المتظاهرين فى الخرطوم وصفت بأنها «مجزرة» خلال الثورة على البشير، هو ثانى أكبر رأس فى السودان يروج للتطبيع مع إسرائيل، فقد سبقه رئيس المجلس الفريق عبدالفتاح البرهان والتقى بشكل مفاجئ مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى أوغندا فى شهر فبراير الماضى؛ حيث اتفق معه وفق بيان إسرائيلى لم ينفه البرهان على بدء التعاون المشترك بين البلدين وصولا إلى التطبيع الكامل لعلاقاتهما، كل ما ظهر منه حتى الآن هو فتح المجال الجوى السودانى أمام الطائرات الإسرائيلية.
هذه المواقف التطبيعية التى يتبناها العسكريون السودانيون تتلاقى بشكل أو بآخر مع ما تريده قطاعات ليست قليلة داخل المجتمع السودانى، لكنها فى المقابل ثير تساؤلات ساخنة حول إصرار هؤلاء على التطبيع رغم أنهم من المفترض أن يتركوا الحكم للمدنيين خلال أقل من ثلاث سنوات، ورغم أن السودان لا تربطها حدودا مشتركة مع إسرائيل، ولن تخوض حربا ضدها، فهل يعنى ذلك أنهم يسوقون أنفسهم أمام أمريكا كدعاة سلام لينالوا بركاتها إذا انقلبوا على النظام الديمقراطى فى السودان؟! وأنهم البديل المناسب لحكم السودان الذى يضمن استقرار السلام والوئام فى الإقليم؟ وهل يخططون للحصول على الدعم السياسى والمالى من بعض العواصم العربية التى تعترف بإسرائيل وأنهم يقدمون على هذه الخطوة بالتنسيق معها؟ وما هو الثمن الحقيقى لهذا التنسيق؟
المؤكد أن تطبيع السودان لعلاقاته مع إسرائيل سيفتح الأبواب أمام الاستثمارات الغربية والإسرائيلية فى السودان، لكنه فى المقابل سيفرض على السودان تطبيق نظام اقتصادى يعتمد على روشتة صندوق النقد الدولى، ليزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا فى نهاية المطاف، ولن يشعر ملايين السودانيين بأى تحسن فى مستوى معيشتهم، بل ستزداد حياتهم بؤسا.
تطبيع العلاقات مع إسرائيل لن يحل أزمات السودان كما يتصور قادته العسكريون، بل سيكون قنبلة موقوتة ستنفجر فى وجه الجميع، تهدد بالمزيد من التقطيع فى أوصال السودان، وعودته مرة أخرى إلى الدائرة المشئومة من الانقلابات العسكرية!

محمد عصمت كاتب صحفي