قرارات ترامب المعادية للبيئة.. وتأثيرها على التعاون الدولى من أجل العدالة المناخية - نصاف براهمي - بوابة الشروق
الخميس 6 مارس 2025 11:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

قرارات ترامب المعادية للبيئة.. وتأثيرها على التعاون الدولى من أجل العدالة المناخية

نشر فى : الخميس 6 مارس 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الخميس 6 مارس 2025 - 6:55 م

شهدت السنوات الأخيرة تواترا سريعا للتغيرات المناخية والتى كان لها تأثير مباشر على الشعوب، وعلى الأكثر فقرا وتهميشا يكون الأثر دوما أكبر وأعمق وهو ما قابله عمل طموح من قبل ناشطى وناشطات البيئة عبر العالم للعمل على إيفاء الدول الملوثة بالتزاماتها تجاه دول وشعوب الجنوب خاصة. وذلك رغم الجهود الدولية المبنية على اتفاق باريس للمناخ للحد من هذه الظاهرة.
اتفاق باريس للمناخ هو اتفاق عالمى للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، وذلك لمحاولة إبطاء تغير المناخ، ويعد بمثابة البوصلة للجهود العالمية بشأن تغير المناخ لسنوات قادمة. وقد تم إقرار اتفاق المناخ فى اختتام القمة التى أقيمت بالعاصمة الفرنسية باريس يوم 12 ديسمبر 2015 ومن أبرز النقاط التى جاء بها الحد من ارتفاع الحرارة «أدنى بكثير من درجتين مئويتين»، ومراجعة التعهدات الإلزامية «كل خمس سنوات»، وزيادة المساعدة المالية لدول الجنوب، إضافة إلى قرارات متعلقة بدعم البيئة والتنمية المستدامة.
انضمت أغلبية دول العالم لاتفاق باريس، ومن بين 195 دولة وقعت الاتفاق، تبنت 189 دولة الاتفاق رسميا. دخل الاتفاق حيز التنفيذ بعد أقل من عام رسميا فى 4 نوفمبر 2016. وبالنسبة لنظام عمل الاتفاقية فهى تعمل على دورة مدتها خمس سنوات من العمل المناخى الذى تقوم به البلدان أى كل خمس سنوات، يُتوقع من كل دولة تقديم خطة عمل مناخية وطنية محدثة تُعرف باسم المساهمة المحددة وطنياً أوNDC Nationally Determined Contributions.
لكن مع صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عرفت الساحة الناشطية فى مجال البيئة والعدالة المناخية تخوفا بسبب عداء هذا الأخير للبيئة وتنكره من الأساس لموضوع التغير المناخي، ومباشرةً عقب تنصيبه أعلن مجددا عن انسحاب بلاده من اتفاق باريس للمناخ للمرة الثانية، فى رفض للجهود الدولية لمحاربة الانبعاثات الحرارية المسببة للتغير المناخي، فيما تتزايد كوارث الطقس فى العالم وفى الولايات المتحدة التى شهدت حرائق كبيرة فى الفترة التى سبقت تولى الرئيس ترامب لمنصب الرئاسة رسميا وقال قبيل التوقيع: «سأنسحب على الفور من خدعة اتفاق باريس للمناخ غير العادلة والمنحازة».
• • •
كان ترامب قد أعلن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس خلال ولايته الأولى، لكن العملية فى ذلك الوقت استغرقت سنوات وتم التراجع عنها فور تولى جو بايدن الرئاسة فى عام 2021، وبالإضافة إلى انسحابه من اتفاقية باريس تعهد ترامب بالاستثمار فى الوقود الأحفورى الذى يعتبر أهم الأسباب التى تزيد من الانحباس الحرارى العالمى، وقال ترامب خلال خطاب تنصيبه: «سيكون لدينا أكبر كمية من النفط والغاز مقارنة بأى بلد على وجه الأرض، وسوف نستخدمها.. سنقوم بالتنقيب يا عزيزى، سنقوم بالتنقيب». فما مدى انعكاس هذه القرارات على كفاح المجتمع الدولى من أجل العدالة المناخية.
إن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ يعنى غياب ثانى أكبر مصدر للانبعاثات فى العالم عن الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ للمرة الثانية خلال عقد، والولايات المتحدة هى بالفعل أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعى فى العالم، فبعد إخبار الولايات المتحدة الأمين العام للأمم المتحدة رسميًا بهذا لانسحاب، سيدخل حيز التنفيذ بعد ذلك بعام بموجب شروط الاتفاقية. ومن شأن هذا الانسحاب أن يخل بتحقيق العدالة المناخية التى يتركز مفهومها على ضرورة الإقرار بالآثار الاجتماعية والاقتصادية المُختلفة على المجتمعات التى تُسببها أزمة تغير المناخ، مما يعنى أن هذه الأزمة لا تؤثر على الجميع بالتساوى، فتدفع المجتمعات الضعيفة والمُهمشة الأقل مسئولية عن الانبعاثات الفاتورة الأكبر لأزمة تغير المناخ لتنال النصيب الأكبر من تداعياتها الكارثية، مما يؤدى إلى تفاقم وتعميق أوجه عدم المساواة وتعد المنطقة العربية من أكثر المناطق المتضررة من التغييرات المناخية وهو ما تناوله كتاب «منطقة فى خطر: العدالة بين الأبعاد البيئية والاقتصادية» الصادر عن برنامج تعاون بين منتدى البدائل العربى للدراسات ببيروت، ومنظمة جرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يرفض ترامب فى مجمل تصريحاته وتصرفاته الاعتراف بتغير المناخ كأزمة حقيقية ولا يرى فى سياسات المناخ التى تدعو لخفض الانبعاثات الكربونية سوى تكتيك اقتصادى يضر بالصناعات الأمريكية ويهدد العمالة فى قطاع الطاقة بالإضافة أنه يعتقد أن اتفاقية باريس للمناخ هى اتفاقية منحازة، إذ فرضت التزامات على الولايات المتحدة دون أن تضع نفس الشروط الصارمة على الصين والهند رغم أنهما من الدول الكبرى الملوثة، بالإضافة أنه لا يقبل بالتحليل العلمى السائد حول تأثيرات النشاط البشرى على المناخ.
بالإضافة إلى الانسحاب من اتفاق باريس، وقّع ترامب أمرا تنفيذيا واحدا يلغى ما يقرب من 80 مبادرة من مبادرات إدارة بايدن المتعلقة بالبيئة، بما فى ذلك إلغاء توجيه للوكالات الفيدرالية لدمج العدالة البيئية فى مهامها.
كانت قد تعهّدت الولايات المتحدة كذلك فى إطار التزاماتها لمكافحة التغير المناخى بحوالى 6 مليارات دولار للصندوق الأخضر للمناخ (Green Climate Fund)، وهو صندوق تم إنشاؤه سنة 2010 ويهدف توجيه التمويل إلى برامج الطاقة النظيفة والتكيّف المناخى فى مختلف أنحاء العالم، قد ساهم منذ ذلك الحين فى تمويل مشاريع بقيمة 16 مليار دولار فى 133 دولة إلا أن قرارات ترامب الأخيرة ستؤدى إلى إلغاء نحو 4 مليارات دولار لم تدفع بعد للصندوق.
بالإضافة إلى كل هذا، تُعدّ الولايات المتحدة المساهم الأكبر فى بعض بنوك التمويل العالمية، لتصل حصتها إلى 30% فى البعض منها، ما يشكّل مصدر قلق أكبر بشأن مصير تمويل المناخ المستقبلى.
• • •
إن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس قد يؤثر سلبا على المؤسسات الدولية الأخرى، مما قد يضعف من قدرتها على فرض التزامات الدول فى القضايا المناخية، نظرا لتأثير الولايات المتحدة كعضو دائم فى مجلس الأمن. ولكن ورغم جدية هذا الإشكال، أكدت دول مثل الصين والهند وأيضا الاتحاد الأوروبى التزامها بأهداف الاتفاق.
إن التقديرات الأولية تشير إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ مع إيقاف المساعدات الخارجية سيؤدّى إلى شطب تعهّدات مناخية بقيمة 11 مليار دولار للدول النامية، منها نحو نصف مليار دولار من الهبات كانت ستقدّمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لبرامج مكافحة التغيّر المناخى حسب مقال وارد فى الموقع الاقتصادى صفر.
إن مختلف قرارات الرئيس ترامب المتعلقة بالمناخ وخاصة الانسحاب من اتفاق باريس وما يليه من تبعات يسلط الضوء على الأبعاد القانونية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بمثل هذه القرارات، حيث إن المادة 28 من الاتفاق تتيح للدول حق الانسحاب ولكن بسبب التأثيرات السلبية الناجمة عن تخلى بعض الدول عن الوفاء بالتزاماتها وجب التأكيد على أهمية الالتزام بالاتفاقية كخط أساسى للتعاون الدولى فى مواجهة الكوارث البيئية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، لذا فإن العمل على تحقيق أهداف اتفاقية باريس يشكل ضرورة ملحة لصالح الأجيال القادمة، حيث إن العمل المشترك هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة المناخية، ووجود أصوات نشاز فى هذا الإطار ستتسبب فى كوارث لكل العالم وليس فقط لدولها.

نصاف براهمي باحثة من تونس- تعمل في منتدى البدائل العربي للدراسات (بيروت)
التعليقات