إذا أحببت مهنتك فأنت تضيف إلى مسئولياتك أخرى معنوية تزيد من أعبائك وإن جاءت ملزمة.
أشعر أحيانا بالخجل من نفسى حينما أبدأ الحديث مع أحد مرضاى بقولى «تعرف» المشى مفتاح كل أنواع الرياضة وإن كان أبسطها. لأن الإجابة سرعان ما تأتينى بلا تردد: «حضرتك أمشى فين؟»، أتوقف وإن كنت دائما ما أتناسى لاعبى الكرة من جديد مع مريض آخر. الواقع أن أهمية الحركة التى يضعها العلم الآن فى مقدمة كتاب للوقاية تجعلنى أصر على تأكيد أهميتها للمريض والسليم، ولكن الحديث سرعان ما يقف عند إمكانية التنفيذ. المريض حتى من الطبقة المتوسطة حاليا لا يمتلك رفاهية عضوية النادى، وشوارع مدننا غير صالحة لسير العربات فما بالك بالإنسان خاصة فى غياب الأرصفة. فى كندا وأمريكا المشى فى ممشى خاص داخل «المولات» متعة لكبار السن! فهل يمكننى أن أنصح مرضاى بالمشى فى المولات الحديثة.
إذا كان من المستحيل أن تكون مسئولية الأطباء إيجاد أماكن لمرضاهم لحثهم على المشى فأظن أن من واجبهم أن يحدثوهم عن الضغوط العصبية وما تفعله بجسد الإنسان.
انتهيت اليوم صباحا ــ الجمعة ــ من قراءة أحد المقالات العلمية المهمة التى تتحدث عن الضغوط العصبية وما لها من أثر على صحة الإنسان النفسية والجسدية. محور المقال إصابة محامية مشهورة بالعمى المؤقت نتيجة ضغوط عمل وعلاقة أسرية فاشلة.
كلنا على اختلاف ثقافاتنا نعرف جيدا أن الضغوط العصبية لها أثر على تفاصيل حياتنا اليومية حتى إن البعض يسخر من تشخيص الأطباء لبعض أعراض الأمراض بأنها «حالة نفسية».
أما الذى لا تعلم عنه شيئا فهو كيفية مواجهة تلك الضغوط ببعض الرياضات الذهنية التى يراها الكثيرون رفاهية لا تليق بنا رغم أن كل الرياضات الذهنية نشأت فى ظل حضارات الشرق وأن أغلب من يتقنونها الآن هم أهل الغرب.
أغلبنا يتصور أن «اليوجا»هى تلك الرياضة غريبة الأطوار التى يقف بها الإنسان على رأسه دائما أو تلتف فيها الأيدى حول الرقبة وتتشابك السيقان! لا أحد يتصور أن أول مبادئ اليوجا هى تمارين التنفس العميق التى تزيد من سعة الصدر وكمِّ الأكسجين فى الرئات، الأمر الذى يساهم فى نشاط الدورة الدموية ويدعم استرخاء الذهن والعضلات.
التأمل أيضا إحدى الرياضات الذهنية التى يمكنك أن تمارسها وأنت فى مكانك ولطالما فى كندا ما رأيت الناس يمارسونها على مقعد فى حديقة أو حتى فى قطار ينطلق بسرعة لمسافة طويلة. تلك الرياضة التى تعتمد على تركيز ذهنى عميق يصل إلى الدرجة التى تفصل الإنسان تماما عما حوله بإرادته حتى يعود إليه بإرداته أيضا.
خلال تلك الفترة الزمنية يمكنه أن ينصت بكل جوارحه لما يريد فقط خرير جدول أو هدير شلال، حفيف شجر أو موسيقى تأتى بعد تلك الفترة الزمنية التى ينعزل فيها الإنسان عن صخب العالم وتلوث ضوضائه هى المهرب من الضغط العصبى المستمر الذى يعانيه.
تلك بالفعل فرصة فريدة للإنسان إذا أحسن استغلالها، لكن فى المقابل يجب أن يتعمق الإنسان فى دراسة فلسفة تلك الرياضة الذهنية ويلقى تعاليمها على يد معلم.
نعم.. علينا مواجهة الضغوط العصبية بممارسة بعض الرياضات الذهنية بالطبع مع محاولة إيجاد حلول للمشكلات التى تسببها.
تنفس بعمق عزيزى القارئ.. يصفو ذهنك وينتعش عقلك.. أخشى أن يضيف بعضكم إلى حديثى «لتفسح المكان لضغوط من نوع آخر.. ابتسم.. انت فى مصر».