كما قال مالك فى الخمر، كشف المفكر الإسلامى التونسى راشد الغنوشى الوجه القبيح لفرع الإخوان المسلمين فى مصر خلال الكلمة التى وجهها للمشاركين فى اجتماع التنظيم العالمى للإخوان الذى استضافته تركيا منتصف الشهر الماضى، مؤكدا لهم أن إخوان مصر سرقوا ثورة 25 يناير ومارسوا سياسة مرتبكة وارتجالية ومتمردة وصبيانية، وان الإخوان لم يلتحموا كغيرهم بالجماهير، رغم انهم ادعوا كذبا بعد ذلك انهم هم الذين أطلقوها، وأشاعوا انهم هم الذين يقودونها، منددا بتصرفاتهم خلال الأيام الأولى لها، حيث تورطت قيادات إخوانية فى التفاوض مع عمر سليمان، حتى ينجوا بأنفسهم لو تمكن نظام مبارك من الصمود، وحتى لا يدفعوا ثمن مشاركتهم فى حال فشلت هذه الثورة الشعبية!
الإخوان لم يخونوا الثورة فقط برغبتهم فى الامساك بالعصا من منتصفها، وبأن يمدوا يدا إلى الثورة والأخرى إلى نظام مبارك، لكنهم أيضا - كما يقول الغنوشى - كذبوا على جموع المصريين حينما قالوا قبيل انتخابات مجلس الشعب أنهم لن ينافسوا على أغلبية المقاعد وانهم يكتفون بثقل نيابى معقول بالمشاركة مع بقية القوى التى شاركت فى الثورة، وانهم لن يخوضوا انتخابات الرئاسة، لكنهم سرعان ما لحسوا كل وعودهم، وظهر طمعهم وجشعهم للسلطة بطريقة أكثر فجاجة من جشع مبارك لها.
ويستطرد الغنوشى وهو يكشف وجها آخر للقبح الإخوانى فى مصر مؤكدا ان إخوان مصر لم يأتمنوا لأى طرف، وعاشوا جو المؤامرة، وانشغلوا بالسيطرة على مفاصل الدولة، موضحا انهم بادروا بالاتصال بقياداتهم محذرا من غضبة الشارع المصرى عليهم، لأن الرئاسة عبء كبير، ونصحهم بالبحث عن شخصية قومية اسلامية لمنصب الرئيس حتى لو كان يمارس دوره شكليا، مؤكدا انه شعر بالصدمة حينما حصل محمد مرسى فى جولة الانتخابات الأولى على خمسة ملايين صوت فقط، مؤكدا انه قال لقيادات حزبه ان الشارع المصرى بدأ حسابه مبكرا مع الاخوان، مشيرا إلى انه نصحهم بإعلان انسحاب مرسى من جولة الإعادة، وان يقفوا خلف المرشح الثالث حمدين صباحى، لكنهم على ما يبدو لم يستمعوا إلا إلى شياطينهم، ضاربين بنصائح الرجل عرض الحائط !
ورغم أن الغنوشى يصف ثورة 30 يونيو بأنها «انقلاب بنكهة شعبية»، وانه يقف موقفا معارضا له، لكنه يطالب الاخوان بأن يتعاملوا معه كأمر واقع، وان يعترفوا بفقدانهم لثقة المصريين بهم، محذرا من أن تحالفهم مع التنظيمات الجهادية للقيام بأعمال إرهابية تستهدف عودة المعزول مرسى، ستجعل شباب الإخوان يتخلون عن تنظيمهم بما يهدد الوجود التاريخى للإخوان المسلمين فى مصر، خاصة بعد أن اصبح الإخوان رهينة لدى هذه التنظيمات المتطرفة..
كلام الغنوشى لم يأت بجديد، فكل ما ذكره يعرفه ملايين المصريين جيدا، لكن قيمة ما قاله تنبع فقط من مكانة الرجل فى الحقل الإسلامى العالمى، ومن اسهاماته الفكرية والتنظيمية والسياسية، ومن موقعه كعضو فى التنظيم العالمى للإخوان، وحتى نصيحته لهم بأن يعيدوا النظر فى كل ثوابتهم السياسية وأن يشاركوا فى الانتخابات البرلمانية القادمة ببرامج جديدة تفتح الباب أمام تعايشهم مع القوى السياسية الأخرى، لن يكون لها محل للإعراب فى قاموس إخوان مصر تحت قياداتهم الحالية التى تربت على الكذب والانتهازية، والتجارة بالدين، ونكص الوعود والعهود، وطعن الحلفاء فى الظهر..!
ما لم لم يقله الاخوانى الغنوشى عن مثالب إخوانه فى مصر، أكثر بكثير مما كاله لهم من اتهامات تطعن فى شرفهم السياسى، فإخوان مصر قدموا لنا فهما مناهضا وليس فقط مغلوطا للإسلام، يفصل العبادات عن السلوك، لا مكان فيه للتقوى، بل للسيطرة على السلطة السياسية بأحط الأساليب، واستغلال هذه السلطة لكى تتراكم الثروات فى يد كبار رجال التنظيم.. باختصار ما لم يجرؤ الغنوشى على قوله هو إن إخوانه فى هذا الزمان فى مصر
اشتروا الدنيا وباعوا الدين!