قضيت أياما فى مدينة «القصير» بالبحر الأحمر وسط المناخ المعتدل والهدوء، والحركة الدءوبة لتطوير المرافق ورصف الطرق. هناك إقبال من السائحين على فنادقها السبعة عشرة، مدينة القصير أقدم مدن البحر الأحمر، لها تاريخ عميق، سماها القدماء المصريون «مدينة الحب والجمال»، وحملت اسم «الميناء الأبيض» فى العصر البطلمى، واستمرت فى عهد الرومان، وفى النهاية حملت اسم القصير فى الخبرة العربية الإسلامية لأنها تشكل اقصر مسافة بين مصر والسعودية عبر البحر الأحمر، كما أنها أقصر مسافة بين النيل والبحر الأحمر. استخدمها محمد على فى حروبه فى الحجاز، وكانت معبرا مهما للحجاج، ولها بصمة على ما يعرف بطريق الحرير.
أهل القصير لهم طابع خاص، فهم من عائلات ممتدة، يعرفون بعضهم بعضا، يسود العلاقات بينهم التسامح، لا يعرفون ثأر الصعيد، وتحرش المدن، ورياح التعصب والتطرف، ويعتز أهلها بأن مستوى التعليم لديهم أفضل من غيرهم. بالطبع لا تخلو الحياة من مشكلات، وأبرزها الشعور بمركزية الغردقة ــ المدينة الأحدث ــ فى العلاقة مع بقية مدن البحر الأحمر، وعدم تجهيز طريق قفطــ القصير للحركة السياحية الذى يربط الأقصر بالقصير فى مسافة مائتى كيلو متر بدلا من الطرق الحالية التى تزيد إلى أكثر من ثلاثمائة كيلو متر، وعدم وجود مستشفى عام على مستوى عال، ولاسيما أن مشروع مستشفى القصير الجديدة لم ير النور، وكذلك مجمع محاكم القصير، فضلاً عن مشكلات المياه والكهرباء، يضاف إلى ذلك إغلاق البحر الأحمر أربعة أشهر أمام الصيد، وهو ما يمثل إشكالية لمدينة يعد الصيد موردا أساسيا بالنسبة لأهلها.
مدينة جميلة تجمع بين الطبيعة الخلابة، والآثار المهمة، وأبرزها القلعة، وسكانها فى تجانس ووئام، لكن يخالجهم الطموح مثل غيرهم، ويشعرون دائما بأنهم أهل المدينة الأقدم، والأعرق بين أقرانهم فى البحر الأحمر، لكن الاهتمام بهم أقل من غيرهم. هناك بطالة بين الشباب، والمشروعات التى تُقام بها يأتى القائمون عليها بالكادر البشرى من خارج «القصير»، بما فى ذلك المناجم المنتشرة، ولديهم مشروع طموح لميناء سياحى وتجارى فى القصير، محل الميناء القديم الشهير، وهناك مشروع سياحى أعده مدير عام آثار البحر الأحمر محمد أبو الوفا لاحتفالية كبرى لأحياء طريق الحرير فى القصير، سبق أن تقدم به منذ حكومة الدكتور عصام شرف إلى الوقت الراهن، ولكن لم يتخذ بشأنه خطوات جادة، رغم أنه يمثل إضاءة مهمة على تاريخ هذه المدينة العريقة.
بالطبع ليست «القصير» استثناء بالنسبة لكثير من المدن المصرية التى تواجه تراجعا فى مؤشرات التنمية، وتسعى للنهوض بنوعية الحياة بها، لكنها تمثل فرصة مهمة لبناء مشروعات سياحية وانتاجية كبرى. ويشعر أهل «القصير» بعدم الرضا من الحديث عن إعادة تقسيم المحافظات، مما قد ينتهى بهم جزءا من محافظة قنا التى سوف يذوبون فيها سكانيا، فهم ستون ألف نسمة فقط، ويختلفون عن سكانها فى العادات وطرق الحياة، ولكن هذه نظرة قصيرة، لأن تكامل الإقليم الجغرافى ما بين زراعة وصناعة وصيد، وتعدين، قد يسهم فى الاستدامة الاقتصادية له.
تعزز لدى بعد أيام بالقصير الاعتقاد بأن مصر بها الكثير من الفرص المهمة، لكن الحوار لا يزال غائبا.