كشفت عملية اغتيال المغنى الإثيوبى المعارض للحكومة «هاشالو هونديسا» الأسبوع الماضى فى إحدى ضواحى أديس أبابا، مدى هشاشة التركيبة الاجتماعية للدولة الإثيوبية، حيث تفجرت أحداث عنف عرقية أسفرت عن مقتل أكتر من 160 إثيوبيا واصابة العشرات فى مواجهات مع الشرطة التى اعتقلت المئات من المعارضين من عرقية الأورومو التى ينتمى إليها «هونديسا»، والأكبر عددا فى إثيوبيا وتمثل ما يقارب 40% من السكان.
«هونديسا» لم يكن مجرد مطرب معارض، فهو سجين سياسى سبق اعتقاله لمدة 5 سنوات، وهو يوظف كل أغانيه دفاعا عن عرقية الاورومو ــ ذات الأغلبية المسلمة ــ والتى تعانى من بطش وتنكيل منذ عهود طويلة من عرقية التيجراى التى تعتقد أنها تنتمى لسام ابن نوح، وأنها من طبقة أعلى وأرقى من كل العرقيات الإثيوبية الأخرى، ورغم أنها لا ثمثل سوى 6 % من السكان لكنها تستولى على كل مفاتيح الثروة والسلطة، وتوظف كل أجهزة الدولة بمؤسساتها الأمنية والقضائية فى إقصاء وتهميش عرقية الأورومو ومصادرة أراضيهم حيث يعيش 80 % منهم تحت خط الفقر، ويتعرضون منذ وصول هيلا سيلاسى للحكم فى اربعينيات القرن الماضى لتقييد حرياتهم فى ممارسة شعائرهم الدينية سواء بناء المساجد او أداء فريضة الحج، كما فرضت عليهم السلطات الحاكمة من تحالف عرقيتى التيجراى والأمهرة والكنيسة التدريس باللغة الأمهرية لا لغة الاورومو فى مدارسهم، فى نفس الوقت التى رصدت منظمات حقوقية محلية وغربية تعرضهم للتهميش السياسى واعتقال عشرات الآلاف منهم وتعذيبهم واغتصابهم داخل السجون.
ومع أن اختيار آبى احمد كرئيس لوزراء إثيوبيا جاء لاحتواء غضب الأورومو الذين نجحوا فى اسقاط سلفه هايلى مريام ديسالين عبر مظاهرات صاخبة، حيث ينتمى آبى لحمد لعرقية الاورومو، إلا أن الرجل باع كل قضايا عرقيته العادلة، حيث استمرت عمليات التهميش والاقصاء والبطش فى عهده ضد نشطاء الأورومو ــ حتى فقد شعبيته تماما وسطهم وأصبح يتعرض لهجوم حاد منهم، وحتى عندما أصدر تصريحات صحفية عقب الحادث لمح فيها إلى اتهام مصر بتدبير اغتيال المطرب هونديسا لإثارة الاضطرابات فى بلاده لمنعها من بناء سد النهضة، انهالت عليه التصريحات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعى، بأنه يطلق أكاذيب ساذجة، لأنه يعرف أكثر من غيره أن السلطات الأمنية هى التى قتلت «هونديسا» الذى كان بطلا قوميا للأورومو وليس مجرد مطرب شهير، وانه هو شخصيا الذى أطلق يد قوات الأمن الإثيوبى لتنكل بمنتهى العنف بجموع شعبة الغاضبة.
كل التوقعات تشير إلى ان آبى أحمد مستعد للتحالف مع الشيطان ليسترد مواقعه الجماهيرية التى خسرها خلال الشهور الماضية، وأن سد النهضة سيكون ميدانه الوحيد الذى يستطيع من خلاله تجاوز هذه المجازر التى ارتكبها ضد الاورومو، وهو ما تؤكده تقارير سودانية بان حكومته بدأت فى ملء خزان السد سرا خلال الأيام الماضية، الأمر الذى أثر سلبا على معدلات توليد الكهرباء من السدود السودانية رغم أننا فى موسم الفيضان.
باختصار.. هذا هو الرجل الذى نتفاوض معه حول سد النهضة، والذى يتصرف كرجل من رجال المافيا، يكذب ويتآمر ويقتل شعبه بالرصاص الحى!