هناك حالة شائعة من ممارسة الاستغراب، والحسرة كلما حدث شىء غريب أو مناقض للعادات والتقاليد، وهى ممارسة نلجأ إليها بشكل واع أو لا واع بهدف نفض الأيدى من المسئولية، فى حين أن المجتمع مسئول عن كل مظاهر الانحراف التى تحدث فيه بصورة أو بأخرى. مثال على ذلك الفيديوهات التى تنتشر أحيانا على وسائل التواصل الاجتماعى سواء شاب يدفع رجلا مسنا فى ترعة، أو شاب آخر يسحل عجوزا، هذا فضلا عما اصطلح على تسميته بالتنمر، ويُمارس ضد فئات كثيرة إلى جانب ارتفاع منسوب العنف فى الشارع، وهى ظاهرة ليست جديدة.
ليس كافيا أن يتحسر المجتمع على بعض هذه الممارسات، ويعتبرها وافدة أو طارئة أو خارجة على القيم الأساسية، فى حين أنها تعبر عن نتاج طبيعى لضعف منسوب الثقافة الإنسانية فى المجتمع على مدى عقود. هؤلاء الشباب الآن الذين يمارسون ألوانا من العنف والتنمر والتحرش، سواء فى الواقع أو على الفضاء الإلكترونى، لم يتعلموا فى المدارس ثقافة مدنية، ولم تتح لهم فرص المشاركة فى مبادرات إنسانية، وبالتالى لم تتكون لديهم الثقافة الإنسانية التى تتيح لهم تقدير السن، واحترام العلاقات الاجتماعية، والتعامل بأسلوب مهذب مع الآخرين. وهو ما نجده فى مجتمعات أخرى، ليست بالضرورة متقدمة وفق الصورة الذهنية عن الغرب، لكنها مجتمعات تولى أهمية إلى التربية المدنية، وتعتبرها جزءا أساسيا من العملية التعليمية.
بالتأكيد أن الطفل الذى يتربى على قيم المشاركة الوجدانية، والمساهمة فى الجهود التطوعية، والعمل الإنسانى، بالتأكيد سوف تكون لديه نظرة أكثر إيجابية تجاه الآخرين، ولاسيما كبار السن، المرأة، الأطفال، الذين يعانون من صعوبات خاصة فى الحياة، وغيرهم، هذا إلى جانب «السلوك الإنسانى» المهذب فى التعامل مع الآخرين، والشارع، ووسيلة المواصلات.
من هنا فإن المجتمع مسئول بصورة أو بأخرى عما آلت إليه بعض المظاهر السلبية فى العلاقات الاجتماعية، ولم يعد هناك بُد من أن يكون هناك توجه رسمى فى المؤسسة التعليمية يتضمن التربية على المواطنة، والثقافة الإنسانية، والمشاركة المجتمعية جنبا إلى جنب مع عملية التعلم باعتبارها موردا أساسيا لبناء الانسان فى مجتمعنا، دون الاكتفاء بتحصيل مواد تعليمية، والحصول على شهادة دراسية.