جاء مؤتمر الحزب الوطنى الأسبوع الماضى فى نظر الكثيرين، وكأنه عملية تدشين للمرحلة الأخيرة فى خطة تسليم رئاسة الجمهورية إلى جمال مبارك.. ومع ذلك فقد بدا لى أن هناك خطأ فادحا وقع فيه منظمو المؤتمر خلال انشغالهم بإعداد المسرح وتوزيع الأدوار، حيث اختلط عليهم الأمر بين أن يكون جمال مبارك رئيسا لجمهورية مصر العربية أو يصبح زعيما لشركة مصر العربية المتحدة!
كل الذين وقفوا مع جمال سواء على المسرح أو خلف الكواليس لم يهتموا بالفرق بين التسويق التجارى والبرنامج السياسى.
كلهم تعاملوا مع جمال وكأنه «سلعة» يريدون تسويقها لجمهور المستهلكين، وليس رجل دولة له رؤية استراتيجية واضحة لحل المشكلات التى نواجهها!
وقد كانت أهم إنجازات جمال فى نظر أحمد عز، بجانب أنه مفجر الثورات، وهو الإنجاز الذى لا يمكن أخذه على محمل الجد.. هو ارتفاع عدد السيارات المبيعة والشقق المؤجرة لأكثر من ثلاثمائة ألف مواطن مصرى، استفادوا من إنجازات الحزب الوطنى بالفكر الجديد الذى يمثله جمال مبارك والذى تبدى فى آخر تجلياته فى الشعار التاريخى: «من أجلك أنت».
وبالطبع فإن هذا المنطق «التسويقى» يختلف جذريا عن متطلبات الترشح لرئاسة الجمهورية.
جمال مبارك يحتاج إلى برنامج سياسى مختلف عن برنامج الرئيس مبارك، وإلا لما كانت هناك حاجة لانتخابه هو تحديدا لينفذ نفس البرنامج..
وإذا كان الرئيس مبارك قد اكتسب شرعيته من مشاركته فى حرب أكتوبر مع بدئه لعهده بوعود ــ وإن لم يستطع تنفيذها ــ حول مطاردة الفساد والترشح لمدتين فقط، إضافة إلى أن استقباله فى قصر عابدين قادة الأحزاب والقوى السياسية الذين اعتقلهم السادات كان يبشر ببدء مرحلة ديمقراطية جديدة لم تتحقق أيضا..
فإن جمال مبارك لم يكتسب أى شرعية من هذا النوع، وبالطبع لن تقدم السيارات الحديثة التى تملأ شوارع القاهرة ولا حتى القديمة هذه الشرعية لجمال!
ما لم يدركه جمال مبارك حتى الآن، أن هناك ثمنا غاليا عليه أن يتحمله لكى يواصل خطواته للترشح للرئاسة، فبجانب توضيحه لسياساته فى الملفات الرئيسية مثل العلاقات مع إسرائيل والأمن القومى والديمقراطية والتعديلات الدستورية الأخيرة والفساد والأزمات الاقتصادية الطاحنة بما يكشف توجهاته الاجتماعية بوضوح.. فإن المطلوب من جمال أن يرد على الشائعات حول حجم ثروته وكيف حققها؟..
كما أن جمال عندما يحكم بلدا بحجم مصر، فإنه يدرك بالتأكيد دورها المؤثر فى الإقليم منذ عصور الفراعنة، وبالتالى فإنه لو استمر فى استخدام آليات الترشح كزعيم لشركة لا رجل دولة، فإنه يغامر بخسارة الانتخابات قبل أن تبدأ.. هذا فى حالة إذا كانت فعلا حرة ونزيهة!
mesmat@shorouknews.com