الأقزام قادمون.. فتش عن الجوع! - محمد عصمت - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 7:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأقزام قادمون.. فتش عن الجوع!

نشر فى : الإثنين 6 نوفمبر 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الإثنين 6 نوفمبر 2017 - 9:55 م
بدراسات علمية رصينة وإحصائيات رسمية دقيقة، سوف نصبح شعبا من الأقزام الذين يعانون من الهزال ونقص الوزن والأمراض المميتة خلال عدة أجيال فقط، إذا استمرت سياسة الإصلاح الاقتصادى الحالية دون أن تحقق أهدافها فى خفض الأسعار ورفع مستوى المعيشة!.

برنامج الأغذية العالمى قدر فى تقرير طويل أن خسائر الاقتصاد المصرى تبلغ نحو 20 مليار جنيه سنويا، بسبب الجوع الذى يؤدى إلى تقزم الأطفال، مع تكاليف علاجهم من الأمراض عندما يكبرون، بالإضافة إلى فشلهم فى الدراسة وانخفاض مستوى إنتاجيتهم.

طبقا للتقرير فإن الجوع وسوء التغذية مسئول عن نسب تتراوح ما بين 35% إلى 55% من وفيات الأطفال فى مصر، حيث إن ارتفاع الأسعار يحول دون توفير الأسر الفقيرة الغذاء لأطفالهم الذين يعانون من مشاكل صحية تبدأ من عدم حصولهم على الغذاء الكافى وهم أجنة بسبب معاناة أمهاتهم من نقص التغذية، وتستمر للذين ينجون من الموت منهم فى مراحل سنواتهم التالية، حيث ترتفع معدلات تسربهم من التعليم، وتدهور قدراتهم البدنية والمعرفية، وتدنى إنتاجيتهم، وزيادة إنفاقهم على العلاج من الأمراض التى تهاجمهم، فى نفس الوقت الذى يؤكد التقرير أن 40% من البالغين فى مصر يعانون من التقزم بسبب سوء التغذية، منهم 2.7 مليون طفل دون سن الخامسة، و6.3 مليون آخرين فى الفئة العمرية ما بين 6 إلى 18 سنة!.

المثير فى الأمر أن هذه التقديرات التى جاءت ضمن دراسة عن «تكلفة الجوع فى مصر»، أجريت عام 2009، بعد ان توافرت للبرنامج الأرقام الرسمية المطلوبة لإعداده، وتم نشره على نطاق واسع عام 2013، ومن يومها إلى الآن مرت علينا هذه الأرقام المرعبة بدلالاتها الكارثية مرور الكرام، بل أن وزير التنمية المحلية هشام الشريف الذى قال فى اجتماع بالبرلمان منذ عدة أشهر إن 40% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر المدقع، يجعلنا نستنتج أن الأوضاع الصحية لملايين المصريين تزداد سوءا، وأن معدلات التقزم ووفيات الأطفال ربما تكون تضاعفت، فمستويات المعشية منذ 9 سنوات كانت أفضل كثيرا من الوقت الحالى.

قد يكون من المستحيل أن تتراجع السلطة فى مصر عن سياسة الإصلاح الاقتصادى الآن، ولا أن تعيد النظر فى سياسة تعويم سعر الجنيه التى قفزت بأسعار السلع الغذائية الأساسية إلى مستويات فلكية، ولا أن تبدأ فى إجراءات جدية للتوزيع العادل للثروة فى مصر، ولا أن تضاعف الأجور، لكنها مطالبة بأن تبحث عن البدائل بعد أن وصل الوضع إلى حد الكارثة القومية، وأن تبدأ فورا فى اتخاذ خطوات جادة ومنهجية لمواجهة تداعيات الجوع، بتوفير وجبات متكاملة القيمة الغذائية لأولادنا فى المدارس، والتوسع فى بيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة على بطاقات التموين، وتدخل الدولة فى بيعها ولو بالخسارة فى المجمعات الاستهلاكية.

أما كيف توفر الدولة الميزانيات المطلوبة لهذه الإجراءات، فإنها تستطيع اللجوء إلى فرض ضرائب خاصة على الأغنياء، وإقامة مشاريع للصناعات الغذائية الموجهة للفقراء تغطى نفقاتها بدون تحقيق أى هامش للربح، بل أن تقتطع من الميزانيات المخصصة للقطاعات الأخرى، لصالح برامج توفير الغذاء للفقراء، فخطر الجوع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا يهدد الجميع بلا استثناء.

القضية أخطر وأهم من تكون ميدانا للنزاعات السياسية، أو إدانة هذا الطرف أو ذاك، أو الالتفاف حولها بذرائع واهية حول نقص الإمكانيات، كما تتعدى حدود الكلام عن التهديدات التى تواجه أمننا القومى رغم أهميته، فنحن إزاء بشر حياتهم ثمينة وغالية، لكنهم يعيشون وكأنهم مواطنين من الدرجة العاشرة، تفترس أرواحهم قبل أجسادهم طاحونة الشقاء والبؤس والأمراض المزمنة، بدون أن يعطى لهم أحد أدنى اهتمام.

 

محمد عصمت كاتب صحفي