قدم الإخوان المسلمين فى برنامجهم الانتخابى لمجلس الشعب فى نوفمبر 2010، رؤية إصلاحية متكاملة لحل مشاكلنا الكبرى، لا تختلف كثيرا عن رؤية أحزاب شيوعية أو حتى حزب الوفد.
فالبرنامج يؤيد تدخل الدولة فى ضبط الاقتصاد بما يضمن عدالة توزيع الثروة القومية بشكل عادل، وفرض تسعيرة جبرية على السلع الأساسية، وإلغاء دعم الرأسمالية الكبرى، كما يرفض البرنامج الخصخصة التى أهدر بها نظام مبارك شركات القطاع العام الكبرى.
كما يشدد على مدنية الدولة بتأكيده أن الشعب هو مصدر السلطات، وهو ما يمكن اعتباره قطيعة كاملة مع أفكار سادت الجماعة بأن الحاكمية لله، كما قال بها سيد قطب والمودودى.
البرنامج أيضا يشدد على تداول السلطة، مع احترام الحريات العامة والشخصية حيث يقول بالنص: «الحرية هبة الله للإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه ومعتقده وأنه لا إكراه فى الدين»، كما شدد على حرية تشكيل الأحزاب والصحف والجمعيات والنقابات، وأيضا حرية التظاهر والاحتجاج السلمى بمجرد الإخطار.
كما يقول البرنامج إن المسلمين والمسيحيين نسيج وطنى واحد ومتلاحم ومتكامل متساوون فى الحقوق والواجبات دون تمييز أو تفرقة.. بما يؤكد عدم اعتراض البرنامج على تولى مسيحى رئاسة الجمهورية.
وعلى المستوى العربى يطالب البرنامج بوقف كل عمليات التطبيع مع الكيان الصهيونى وإلغاء جميع الاتفاقيات التى تدعمها، إلا أنه أغفل تمام موقفه من اتفاقية كامب ديفيد، وهل هو مع إلغائها هى الأخرى أم لا؟
ما يميز البرنامج أنه لا يقدم أى مرجعية عقائدية أو فكرية محددة، فهو ينطلق من أسس براجماتية، يمكن بها إصلاح كل ما أفسده حكم السادات ومبارك، وإن عابه المرور بخفة ــ أتصور أنها مقصودة لأغراض انتخابية ــ على قضايا شائكة تتعلق بولاية غير المسلم والمرأة واتفاقية كامب ديفيد وغيرها.. ومع ذلك فقد يصلح هذا البرنامج لحزب يسارى من نوعية الحزب الشيوعى المصرى الذى يراهن على ثورة وطنية ديمقراطية قبل البدء فى تطبيق الاشتراكية، كما يصلح البرنامج لأحزاب مثل الوفد أو الكتلة.. ولكن يبقى السؤال الحائر: هل يلتزم الإخوان بهذا البرنامج إذا استمروا فى حصد مقاعد البرلمان، ام سيغيروا توجهاتهم، كما فعلوا من قبل فى الكثير من مواقفهم السياسية؟!
قد لا نستطيع الفوز ببرلمان متوازن يضمن تمثيلا عادلا لقوى المجتمع المصرى والتعبير بصدق عن روح ثورة 25 يناير، ولكن يمكن لحكماء الجماعة أن يؤجلوا سعيهم لبناء دولة الإخوان فى مصرلعدة سنوات، ويبادروا بطرح برنامجهم الانتخابى على كل القوى السياسية للتوافق حوله، من أجل الوصول إلى اجماع وطنى يعبر بنا ازماتنا الكبرى الراهنة.. وبعدها يكون لكل حادث حديث!