قطاعات ليست قليلة من المصريين الذين شاركوا فى إسقاط حسنى مبارك منذ 8 سنوات، أصبحوا يجاهرون بصوت عال بعدائهم لثورة يناير، لا يرون فيها الآن سوى الفوضى التى صاحبتها، والرصاصات التى دوت فى شوارعها وميادينها، والدماء التى سالت فى مساراتها المتعرجة، ووقف الحال الذى عانت منه فئات عديدة فى المجتمع، لكن كل هؤلاء ومعهم الذين حاربوها لأنها تهدد مصالحهم، يضطرون لابتلاع ألسنتهم فى أفواههم عندما يبدأ الكلام عن أهدافها التى قامت من أجل تحقيقها فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية!
لا أحد يختلف على أن ثورة يناير عجزت عن تحقيق أهدافها النبيلة، فالإخوان المسلمين اعتبروها ملكية خاصة لتنظيمهم باعتبارهم أصحاب الجماهيرية الأكبر والأكثر تأثيرا وتنظيما فى الشارع السياسى، والقوى المدنية من الليبراليين واليساريين فشلت فى بناء قواعد جماهيرية كبيرة تستطيع الدفاع عن الثورة، وخلافاتهم الداخلية بين تياراتهم المختلفة وبين بعضهم البعض أضاعت جهودهم فى معارك جانبية منعتهم من كبح جماح كل القوى المضادة للثورة فى إبعادهم عن السلطة.
كل القوى السياسية والثورية التى شاركت فى أحداث الثورة لم تكن على مستوى الحدث، ربما لأنها لم تكن تتوقعه بهذا الحجم وهذا الطموح، وربما لتاريخ طويل من الاختراقات الأمنية لصفوفها جعل همها الأساسى هو الحفاظ على تنظيماتها فى المقام الأول دون أن تعطى الاهتمام الكافى بالتلاحم مع الجماهير لإسقاط ديكتاتورية حسنى مبارك وإقامة سلطة ديمقراطية بديلة، وربما أيضا لصعود فئات انتهازية وسط هذه القوى لعبت أدوارا مشبوهة فى الحياة السياسية لتحقيق مصالحها الخاصة.
التيارات الثورية الحقيقية التى أدارت معارك الثوار النبيلة ضد سلطة مبارك تاهت وسط زحام الميادين، ووسط الاتفاقيات المشبوهة فى الغرف المغلقة، لم تستطع أن تتواصل مع ملايين المصريين الذين ملأوا ميادين مصر وشوارعها بحثا عن الخلاص من حكم الفرد الذى يجثم على صدورهم، فلم تستطع بالتالى أن تغير من بنية الطبقة الحاكمة، رغم كل التضحيات التى قدمتها.
إعادة الاعتبار لشعارات يناير فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وفتح النقاش حول أسباب إخفاقها فى تحقيقها، هى البوابة الوحيدة التى نستطيع من خلالها الاحتفال بالذكرى الثامنة لاندلاعها بطريقة صحيحة، لكى نفهم لماذا انهارت أحلامنا فى بناء دولة ديمقراطية حقيقية؟ ولماذا عجزنا عن تنفيذ استحقاقات العدالة الانتقالية التى نص عليها الدستور؟ وما هى التناقضات بين ثورة يناير ودولة يناير التى أعقبت اندلاعها؟! وما هى رؤى كل القوى السياسية الآن فى كيفية تحقيق شعارات هذه الثورة وتنفيذها على أرض الواقع؟ ومن هى القوى الحقيقية التى كانت تمثل بحق روح يناير؟ وهل كانت قادرة بكوادر ثورية مخلصة على إدارة الدولة لو استلمت السلطة فعلا؟ أم أنها لم تكن تمتلك هذه الكوادر أصلا بالعدد الكافى والكفاءة المطلوبة؟ وهل استيلاؤها مثلا على جهاز الدولة سيمكنها من تحقيق أهداف الثورة ببساطة وبدون عراقيل؟
كل هذه الأسئلة وغيرها كان من المفترض أن تكون محورا لنقاشات سياسية وجماهيرية واسعة، تؤسس لتوافق شعبى عام حول أولوياتنا الوطنية، وهندسة أوضاعنا السياسية بناء على هذه الأولويات، لكن هذا لم يحدث حتى الآن للعديد من الأسباب منها ما يتعلق بقصور لدى قوى يناير، ومنها ما يتعلق بالمناخ العام فى البلاد.
25 يناير ليست مجرد ثورة أو انتفاضة جماهيرية عجزت عن إقامة دولتها، هى فى الأساس تعبير عن مطالب كل المصريين فى تغيير مفاهيم وقيم سياسية بالية، لكى يقيموا نموذجا سياسيا جديدا طال انتظارهم له منذ سنوات طويلة، وآن الوقت لكى يروه بأعينهم، أوعلى الأقل يروا تفاعلات سياسية تتجه صوب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.