باستثناء معرض أقيم فى مهرجان الجونة السينمائى فى دورته الاخيرة ضم مقتنيات لإحسان عبدالقدوس وأفيشات وصور لبعض الأفلام المأخوذة عن أعماله لم يتذكر احد الذكرى المئوية لميلاده التى حلت العام الماضى وطوال عام كامل لم اعرف ما هو السبب الذى جعل مناسبة مثل ذكراه المئوية تمر فى حياتنا الثقافية بلا حس أو خبر، كأنه لم يكن الكاتب الذى ملأ الدنيا وشغل الناس؟ وليست لدى معلومات تفسر تقاعس مؤسسات وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب مثلا عن احياء هذه المناسبة التى تجدد التذكير بكاتب يبدو أن كل مشكلته انه كاتب له جمهور.
وما يزيد من حيرتى ان الأسبوع المقبل سيواكب ايضا الذكرى الثلاثين لرحيله ولم اقرأ خبرًا عن اية ترتيبات تخص هذه المناسبة التى ستتولى مؤسسة روزاليوسف التذكير بها كما اعتادت وهى تحتفل بالفائزين فى المسابقة التى تحمل اسمه وتتولى أسرته مشكورة تمويلها.
ومن المفارقات ان الأسبوع الماضى وحده شهد الإعلان عن صدور ٣ كتب جديدة حول احسان ومعاركه فى الأدب والسياسة وفى الحياة وهذا يعنى أن المجال العام لا يزال متحمسا لأى نقاش حول الرجل ومواقفه الفكرية والمهنية، كما ان أدبه لا يزال صامدا فى أسواق القراءة، وأكدت لى نورا رشاد ناشرة الطبعات الأحدث من مؤلفاته ان الطلب كبير على أعماله وبعضها تجاوز الخمسة طبعات فى أقل من خمس سنوات وأنه لا يزال وصفة للنجاح فى سوق الدراما التى عاودت الالتفات إلى كتاباته بعد النجاح الساحق الذى تحقق لمسلسل (لا تطفئ الشمس) فى نسخته التى عرضت قبل عامين وهذه الأيام اشترت شركة العدل حق تحويل روايته حتى لا يطير الدخان لمسلسل يلعب بطولته النجم مصطفى شعبان الذى يؤدى الدور الذى أداه عادل إمام قبل حوالى ٣٥ عامًا وهذا مؤشر اخر على ان الرجل يقاوم النسيان ويصمد أمام نوبات التجاهل المتعمد التى طالته حيًا وميتًا
وعلى الرغم من امتلاكه قاعدة شعبية من القراء عانت أعماله من تجاهل نقدى لا يمكن فهمه وإلى الآن لم أقرأ دراسة لنقادنا الكبار تضع أى عمل من بين أعماله الكثيرة موضع الدرس الذى يلتقط أسباب شعبيته الكاسحة ويفسر خفوت الاهتمام الأكاديمى به على الأقل مقارنة ببقية كتاب جيله الذين ارتاحوا لتصنيف كتاباته فى خانة (الأدب الصحفى) وهى خانة فى الادب تشبه غرف الحجر الصحى الموجودة فى المطارات.
فهى تضمن عزل الراكب المريض خوفا من انتشار عدوى المرض الذى يحمله وبهذا المعنى تم عزل أدب احسان عن سياقه أو بالأحرى كان هناك اصرار على ربطه بطبقة اكثر من النظر اليه كتعبير عن مجتمع كامل ويستحق أدب إحسان بعد كل هذه السنوات نظرة أخرى تزيح عنه الاتهام السطحى بانه اديب الطبقة العليا وفاضح تناقضاتها، كما تستحق مواقفه المهنية دفاعا عن حرية الصحافة اكثر من وقفة فى وقت تعانى المهنة ما تعانيه من أزمات، فقد قاوم كل صور توحش السلطة ومساعيها لحجب الحقيقة سواء فى العصر الملكى أو بعد ثورة ١٩٥٢.
وكلنا يتذكر مقاله الشهير الذى اغضب عبدالناصر عن العصابة السر التى تحكم مصر ولأجل مهنته خسر كل الرؤساء واحتفظ لنفسه بمقعد على مقهى فى الشارع السياسى دافع منه عن الحرية فى اشد اللحظات التاريخية توترًا وانتصر لإيمانه بالحق فى المعرفة وجاهر بليبراليته وقت ان كانت الليبرالية تهمة وأرسى فى مهنتنا التقاليد التى تفتقر اليها الآن ولعل هذا ما يفسر الإصرار على تغييبه، لأن لا احد يستطيع ان يتحمل تمرده أو حتى يستعير صوته.