فى كل يوم يمر تبرز عديد الاختراعات التى تبدو فى حينها أنها خارج نطاق التصديق. منذ أكثر من عقد بدأت مشاريع الاستزراع السمكى، وقتئذ لم يكن الأمر غريبا أن يقوم الإنسان بتربية الأسماك بغرض التغذية المباشرة. نقول لم يكن غريبا، لأن الإنسان يتغذى أصلا على الأسماك، وما جاءت المزارع إلا بغرضين أولهما، الإكثار. وثانيهما، سرعة إعادة الإصطياد. وبالتأكيد يصب هذا الأمر فى الهدف الرئيس وهو توفير الغذاء.
اليوم نحن أمام استزراع من نوع جديد. استزراع شىء قاتل لا يمكن للإنسان أن يتغذى عليه، لكن يبدو أن الأبحاث العلمية والاختراعات والابتكارات الحديثة جعلت منه بلسما، فحولته من داء إلى دواء، ومن موت إلى ترياق يفيد فى العلاج وإنتاج الدواء.
ففى سنوات مضت كانت لدغات أو لسعات النحل، التى تتضمن بعض السموم علاجا لعديد الأمراض الكبدية، حتى إن بعض الأطباء أصبح يقتنى النحل بعياداته للاستفادة منها فى علاج المرضى.
اليوم قدرة الله عز وجل تتجلى فى اكتشاف جديد وهو علاج لمرضى السرطان من مادة الكلوروتوكسينات. تلك المادة موجودة فى سم العقارب، والعقارب هى كائنات لافقارية سامة للغاية، وتعادل اللدغة الواحدة منها 100 من لدغات النحل. والعقرب بالتأكيد كائن قاتل يتجاوز الثعبان والأفعى، على الأقل أنه قادر على الاختباء بسبب صغر حجمه، ما يمكنه من القضاء على فريسته بعد مباغتتها.
فى الوادى الجديد ومنذ عامين تقريبا ومضت فكرة لدى بعض الشباب فى استجلاب سم العقرب للحصول على سمه.
السم الذى يحوى فى نطاقه لقاح الكلوروتوكسينات، هو القائم بالأساس بالشفاء من مرض الملاريا. حديثا تبين أن تلك المادة أيضا ترتبط بالخلايا السرطانية التى تصيب العمود الفقرى والدماغ، ما يجعل من السم شفاء ودواء للمرضى المصابين بهذا الداء.
على مساحة كبيرة، خصصتها محافظة الوادى الجديد لتلك التجربة، بدأ الشباب فى تربية آلاف العقارب لاستجلاب السم، ما يجعل هناك الكثير من الفوائد التى لم تخطر على بال أحد من تلك المغامرة المحفوفة بالمخاطر. الفائدة الأولى، استخدام المادة المستخرجة فى إنتاج الدواء. الفائدة الثانية، جلب العملات الأجنبية من خلال الاتجار فى هذا السائل الذى يعد الأغلى ثمنا فى العالم بأسره. الفائدة الثالثة، تشغيل الشباب فى مشروعات مربحة، والقضاء على بطالة العديد منهم، خاصة فى المحافظات الأكثر فقرا. الفائدة الرابعة، هى التخلص من تلك العقارب التى تصيب الكثيرين فى تلك البيئة الصحراوية التى تكثر فيها، ما يجعل المشروع يفيد فى إنقاذ المعرضين للدغات العقارب فى المناطق الصحراوية.
ووفقا لما نشر حتى الآن، فإن الشباب بالوادى الجديد يقومون بعملية صيد بآلات حديثة وفى أوقات معينة من اليوم، عادة ما تكون ليلية، وفى نفس الوقت يمنحون بعض المكافآت لمن يقوم بالاصطياد بالجهود الذاتية، بعدها يقومون بتجميع تلك العقارب، وتكثيرها، بغرض استجلاب السم الذى تبلغ ثمن القطرة الواحدة منه نحو ألفى جنيه. وبالطبع فإن السر فى ارتفاع ثمن المنتج هو عدم وجود العقارب إلا فى بيئة معينة وهى البيئة الصحراوية، إضافة إلى أن صغر العقرب هو أمر ذو علاقة طردية بصغر منتجه، كما أن فاعلية المنتج وتأثيرها أيضا ترتبط بصغر المنتج، والأهم من كل ذلك أن المنتج يحتاج للوصول إليه لمخاطرة كبيرة. لكل ذلك فإن ما ورد من أبحاث فى هذا الشأن تتحدث عن أن ملء جالون واحد من السم أى نحو 4 لترات يحتاج لاستدرار أو استحلاب مئات الآلاف من العقارب.
المشروع السابق جد جديد، ولا يعرف له مثيل فى العالم، وهو رغم صعوبة الحصول على المنتج الذى على ما يبدو أغلى من الذهب الذى يتم استخراجه من المناجم، فإن الحماس فيه كبير، وهو بالتأكيد تجربة تستحق التعميم والتشجيع، وهو ما يحاول الشباب فى الوادى الجديد القيام به، مع استجابة كبيرة من محافظ الوادى الجديد اللواء محمد الزملوط، لتدخل المحافظة واسمها فى مجال استثمار جديد، بعد أن ذاع صيتها منذ عدة سنوات فى انتاج التمور، وكذلك فى مجال السياحة بعد إبراز الإعلام العديد من المقاصد السياحية فيها، ما جعلها هدفا مهما لألاف السائحين.