مساء الأربعاء الماضى شاركت فى حوار ثرى للغاية فى برنامج «من الآخر» على قناة روتانا التى دمجت القناتين «مصرية وخليجية» احتفاء بزيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة.
فكرة الحوار جيدة وتتضمن مذيعين، واحد من مصر «محمد العقبى» وآخر من السعودية «على سعد العليانى»، وضيفا من مصر، وضيفين من السعودية هما أحمد عدنان والدكتور أحمد العرفى.
خلال الحوار الذى تشعب إلى معظم جوانب علاقات البلدين قال أحمد عدنان إن زيارة الملك سلمان إلى الأزهر يفترض أن تعطيه دفعة معنوية هائلة ليقوم بدوره التاريخى فى مواجهة الأفكار المتطرفة ونشر قيم الإسلام الوسطى الحقيقية، وان افتتاح جامعة تحمل اسم الملك فى طور سيناء ينبغى أن تكون رسالة بأن محاربة الإرهاب تبدأ من الأزهر وتنتهى بتنمية سيناء. للأسف لم يكن هناك وقت كبير لكى أناقش هذه الفكرة فى البرنامج.
هى فكرة صحيحة وجيدة إلى حد كبير، وقلت فى عجالة ان دعم الأزهر يمكن ان يأتى من طرق متعددة ومنها السعودية، ولا أقصد إطلاقا الدعم المالى، بل فى الأساس الدعم المعنوى والفكرى عبر تصحيح حقيقى للفكر الدينى وليس فقط للخطاب الدينى كما يحلو لكثيرين القول.
لو كان الأمر بيدى لطلبت من مسئولى البلدين، خصوصا السعودية وكل القوى الحية والمفكرين والمثقفين بأن يكون جهدهم الرئيسى منصبا على تجفيف منابع التطرف والإرهاب، لأنه من دون ذلك فلن تكون هناك فائدة من أى استثمارات أو مشروعات. وكل ما سيتم انفاقه على أى شىء سيذهب هدرا للأسف الشديد، ما لم يكن ذلك مصحوبا باقتناع الجميع، بأن باب الخروج من الأزمة الكارثية التى يعيشها عالمنا العربى والإسلامى تتمثل فى القضاء على الأفكار الرئيسية المتطرفة التى تتنافى مع أى قيم دينية أو إنسانية أو أخلاقية، بل ومع الفطرة السوية ذاتها.
أحد المنابع الرئيسية للتطرف هى التربة الموجودة فى منطقة الخليج وخصوصا السعودية. هذا البلد بدأ يدفع ثمنا فادحا بسبب استهداف المتطرفين له منذ سنوات. هم يقولون ان أفكارهم الرئيسية نابعة من الفكر الوهابى، والسعودية تنفى ذلك مرارا وتكرارا. وأذكر أننى سألت نفس السؤال للسفير السعودى فى القاهرة أحمد القطان فقال لى إن هناك فهما مغلوطا لدى كثيرين يربط بين الوهابية والتطرف، وان ما يفعله المتطرفون لا يمت إلى الفكر الوهابى الحقيقى بصلة.
لن ندخل فى جدل الآن، لكن المؤكد أن هناك مشكلة ضخمة تواجه العالم الإسلامى بأكمله وليس فقط مصر والسعودية، وصار الإرهاب المتمسح باسم الدين يضرب فى كل مكان من نيجيريا فى غرب أفريقيا إلى اندونيسيا فى شرق آسيا، ومن بروكسل وباريس فى قلب أوروبا إلى معظم البلدان العربية خصوصا العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا. وبالتالى وبدلا من الجدل حول من المسئول، على كل دولة أن تنظر وتدرس وتفكر أن الإرهابيين يتمسحون فى الدين، وبالتالى فلابد من وجود عمل ممنهج وحقيقى وفعال لمواجهة هذه الأفكار.
ومثلما مطلوب من الأزهر أن يكثف جهوده ويؤهل كوادره لمواجهة الأفكار المتطرفة، مطلوب أيضا من المملكة العربية السعودية ان تجفف منابع التطرف، فى شتى صورها.
هناك رجال أعمال يملكون أموالا ضخمة فى الخليج ومناطق عربية كثيرة يمولون التطرف والإرهاب. وعندما تتلقى تنظيمات مثل النصرة وداعش تمويلا من رجال أعمال عرب، فالمؤكد أن ذلك سوف يطيل من عمرها، وفى اللحظة التى سيتوقف التمويل سنكون قد قطعنا شوطا كبيرا فى مكافحة هذا التطرف.
لكن تظل المهمة الأكبر هى وجود كوادر مدربة ومؤهلة قادرة على تصحيح المفاهيم والخزعبلات والتخاريف المنتشرة والمتمددة والكامنة فى كتب صفراء تتحول إلى تراخيص بالتفجيرات والقتل الجماعى. للمسلمين قبل غيرهم.
أتمنى أن نستغل زيارة الملك سلمان لمصر وللأزهر لرفع الغطاء الكامل عن كل دعم وتحت أى مسمى من أى طرف عربى للتطرف والمتطرفين ولكل من يحاولون المتاجرة بالدين. المرض صار معروفا وكذلك العلاج، والمطلوب هو الذهاب إلى الطبيب وصرف الروشتة وتناول العلاج مهما كان مرا.