لو أن غوبلز، وزير الإعلام فى النظام الألمانى النازى بعث من جديد لقال لنفسه: كم كانت ماكنة إعلامنا ودعايتنا بدائية لو أننا قارناها بمثيلتها فى الزمن الحالى. ذلك أن وسائل التضليل والتلاعب بعقول البشر قد تطورت بصورة مذهلة وأصبحت تمثل نمطا تواصليا له أسسه النفسية والتضليلية التى يقوم عليها وله منهجيات تطبيقية لا حصر لها ولا عد.
استمع لمحطات الراديو وشاهد محطات التلفزيون واقرأ الصحف اليومية المطبوعة أو الإلكترونية وتابع ما يدور فى شبكات التواصل الاجتماعى، سواء المحلية منها أو الإقليمية أو الدولية، لتقتنع بأن هناك أصولا وفنونا وسيركات بشرية مسلية تكون فيما بينها مدرسة قائمة بذاتها: مدرسة التضليل الإعلامى العصرية.
ما يهمنا هو أن يعى شباب وشابات الأمة من المناضلين والمناضلات السياسيين أساليب التضليل حين يندمجون أو يشاركون فى مختلف ساحات الإعلام. لنذكر بعض الأمثلة. فى الصحافة أبرز الكذب فى عناوين كبيرة لإبراز أهمية الخبر أو التعليق الكاذب فى ذهن القارئ. ومن أجل تبرئة الذمة ضع فى الصفحات الداخلية تكذيبا أو تعليقا متواضعا يحمى الصحيفة من المساءلة ولكن لا يصحح الانطباع الأول. والنتيجة هى أن يشرب أغلب القراء سم الكذب وينشروه.
وإن أردت إبعاد الناس عن الاهتمام بوضع بائس أو فضيحة لا تشرف نظاما فما عليك إلا الإلهاء عن طريق التركيز على هوامش الموضوع أو إضافة قصص تافهة من حوله. وهكذا سيضيع الموضوع الأصلى بينما ينشغل الناس بالثرثرة الملهية.
وإذا كنت تريد أن تبدو محايدا ومعنيا بإبراز الحقيقة فاعقد جلسة تلفزيونية فيها متحدث بارع يدافع عن وجهة النظر التى تريد تمريرها وفيها متحدث ضعيف مشتت التركيز يدافع عن وجهة النظر الأخرى التى تريد أن ينساها الناس.
ومن أجل إلحاق هزيمة بأى مجادل حامل لوجهة نظر مخالفة لما تريده السلطة أو مؤسسات المصالح الفئوية المشترية لوسائل الإعلام يلجأ بعض الإعلاميين إلى ما يعرف «بتكتيكات الينسكى» المكيافيلية القائمة على ممارسة الكذب وعدم الاعتراف بالقيم الأخلاقية الحاكمة لممارسة النقاش. وهى تكتيكات كثيرة، من أبرزها: الترديد أثناء النقاش بأن أفكارك هى السائدة والحديثة بينما أفكار خصمك هى خشبية تجاوزها الزمن. مثال على ذلك ما يسمعه الناس الآن من بعض الكتبة أو المحاورين من أن الفكر العروبى القومى وشعاراته الشهيرة ما عادت صالحة لأزمتنا الحالية. أو وضع خصمك فى النقاش فى موضع الدفاع عن النفس عندما تلفق كل الاتهامات بشأن نفاقه السياسى أو تعصبه المذهبى أو القبلى. أو الاستهزاء بمن يجلس أمامك لإظهاره كإنسان مجنون أو متطرف أو متدين مهووس أو لديه رغبات جنسية مخجلة. وفى كل ذلك تستعمل الكلمات الشعبية السائدة من أجل إثارة المخاوف الغوغائية الشعبوية، وهى كلمات كثيرا ما تعبر عن انحيازات عرقية أو ثقافية أو دينية.
واليوم، وبعد أن أصبح التواصل الاجتماعى الوسيلة الإعلامية الأهم والأكثر انتشارا، فإننا نجد أنفسنا أمام وسائل تضليل جديدة. لقد انتشرت التعليقات المستفزة الهادفة إلى تشتيت الانتباه أو الدفع نحو اليأس، وكثرت التعابير العنصرية الفجة، أو وسائل الهيمنة على النقاش من خلال الادعاءات الكاذبة بامتلاك الحقيقة أو الأخبار السرية الصحيحة. بعض هؤلاء يقرأون أو يكتبون جملا معدة لهم سلفا من قبل جهات مشبوهة تظهرهم وكأنهم هم العقلاء المعتدلون وأصحاب الحجج المتوازنة بينما يتهمون خصومهم بكل أنواع الانتماءات السياسية أو الثقافية الملفقة.
موضوع التضليل الإعلامى أصبح موضوع كتب ومجلدات، بعد أن أصبحت وراءه جهات استخباراتية أو مصالح كبرى، وبعد أن صار أحد أهم ساحات التنافسات والصراعات الدولية. الكل يريد الاستيلاء على عقول الناس ومشاعرهم وأرواحهم.
مطلوب من شباب وشابات الحراكات السياسية العربية، المنظمة أو العفوية، أن يعوا موضوع التضليل الإعلامى بكل جوانبه لأن بعض الجهات ستستعمله فى مواجهة أحلامهم وطموحاتهم والشعارات التحررية التى يطرحونها.
مفكر عربى من البحرين