كل إنسان حر فى اختياراته، هكذا تعلمت من مسيرتى، وقد ظللت أتابع رحلة الكثير من الفنانين والفنانات عن بعد دون أن أتدخل برأى فى حيواتهم الشخصية، وأن أهتم فقط بأعمالهم الفنية، وكونت لنفسى رأيا احتفظت به، ولم أشأ أن أدخل فى مجادلات غير مجدية، واندهشت دوما لأن بعضا من اعتزل الفن كان يتعامل دوما مع مسيرته الفنية على أنها الجاهلية التى خرج منها، بما يعنى أن الفنان الذى لا يزال يمارس عمله هو مستمر فى جاهليته، وتفهمت أن الفنانين إياهم يقعون فى ضغوط شديدة تمنعهم من العودة، وكان الحدث الأكبر حين قرر مهرجان القاهرة السينمائى عام 1997 تكريم الفنانة شادية على مسيرتها، وفى البداية بناء على ما صرح به رئيس المهرجان فإن الفنانة قبلت حضور التكريم وليس فى الأمر أى شىء مشين، فالفنانة ذات تاريخ مشرف، وخروجه من البيت لتسلم شهادة التكريم ليس به ما يشين، ولكن الفنانة اعتذرت، ومن التفاصيل يمكن أن تتفهم حجم الضغوط التى تعرضت لها، وقد مرت الفنانة حلا شيحا بظروف جعلتها فى حالة تردد شديد بين الاعتزال والتمثيل، والتمثيل بالحجاب ومرت بتطورات عديدة لم تكن تعنينى بالمرة، وعاشت حياتها، إلى أن فوجئنا بإعلانها أنها تعود إلى التمثيل، وكانت هناك كتابات كثيرة، وضغوط وإغراءات وأحاديث إعلامية إلى أن شاهدناها تشارك فى مسلسل «زلزال»، وباعتبارى ناقدا فقد رأيت أن اكتساب الفن لفنانة موهوبة هو مكسب، فليس فى حياتنا العدد اللازم من الموهوبين، خاصة مع زيادة الأعمال المنتجة سنويا فى الدراما، وصدمت فى البداية أن الممثلة العائدة اقرب إلى الدور الثانى فى المسلسل فى الحلقات الأولى، وبالوقت ومع تقدم الحلقات، بدت الشخصية تتسع آفاقها، وبدت الفنانة كأنها تستفيد من التجربة، وتدخل فى منافسة، ولعل ما اكتشفته من خلال المشاهدة قد يختلف تماما مع ما كان يكتب هنا وهناك، وأن هناك خطة متعمدة لإقناعها أنها لم تعد تصلح للتمثيل، وهذا أمر مخالف للواقع الذى رأيناه، فمن الملحوظ أنها اتسمت بتلقائية وتفرد، هو دور جديد عليها وهى التى تنتمى إلى طبقة اجتماعية وثقافية مختلفة تماما عن شخصية الفتاة الصعيدية فى المسسلسل، وأنا أعرف أسرة حلا شيحا جيدا من خلال خالتها الاعلامية اللبنانية الراحلة يمن الأخوى، وهى سيدة من أبرز سيدات المجتمع اللبنانى، وتتكلم ابنة خالتها العديد من اللغات، مثل حلا وأخواتها، ولا يمكن أن تتصور أن مثل حلا شيحا يمكنها أن تتقمص شخصية البنت الصعيدية التى تعمل فى الشوارع، ولها نبرة خاصة فى اللهجة، وتبدو شديدة التلقائية والتفرد، لقد خرجت علينا بأداء شخصية الصعيدية بشكل يختلف تماما عن كل النجمات الكبار فى التمثيل، ولا أعتقد أن فنانة قدمت مثل هذه الشخصية كما رأيناها، وأعود إلى حالة التلقائية فى نطق الحروف والكلمات، وهو أمر يرجع إلى موهبتها وليس إلى المخرج، وربما إلى شخص متخصص فى التدريب على اللهجة الصعيدية.
حلا شيحا أهلا بعودتك لعملك، وفى انتظارك مع مخرج من طراز شريف عرفة أو سامح عبد العزيز اللذين يجيدان إدارة الممثل ليكون فى أحسن حالاته، ودعينى أتخيل أنك لم تبتعدى عن التمثيل، وانك شاركت فى العمل فى ستة افلام جادة على الأقل لكسبنا الكثير، وكل ما أتمناه أن تكون عودتك مثمرة، فالفن لمن لا يعرف رسالة واسعة التأثير، بعيدا عن لغة الانشاء والمبالغة.