لا موازين القوى العسكرية، ولا الخبرات القتالية، ولا الطبيعة الجغرافية، تسمح للجماعات التكفيرية فى سيناء بتحقيق انتصارات ميدانية، تحتل من خلالها أية مساحات من الأراضى خارج سيطرة الدولة، كما تفعل نظيراتها فى العراق وسوريا وليبيا، فمعركة الشيخ زويد أثبتت أن دواعش سيناء «فرز ثانى» فى عالم الإرهاب، كما كشفت أن تركيبة تنظيمهم التى تتسم بالغموض، معجونة بالخسة والكذب والجبن، ليس لها علاقة بالقيم الأخلاقية التى يحض عليها الدين الذى ينتسبون إليه!
هؤلاء «المغاوير» يختارون توقيتات عملياتهم الإرهابية بمنتهى الوضاعة، وحينما يتلقون ضربات موجعة من جنودنا البواسل، يهربون كالفئران، ويصفون هذا الهروب بكلمة «انحياز»، التى ليس لها أى معنى سوى الفرار من «الاستشهاد»، الذى يقولون إنهم يحلمون به، ثم يكذبون بوقاحة، وهم يزعمون أنهم أسروا عددا من عناصر الجيش خلال معركة الشيخ زويد، دون أن يفسروا لماذا لم ينشروا حتى الآن صور وأسماء هؤلاء الأسرى!
يدرك هؤلاء «الأشاوس» أن كل ما يمكن أن يحققوه فى سيناء هو إثارة «فرقعة إعلامية»، يقدمون من خلالها «مادة إرهابية ساخنة» يلوكها طابورهم الخامس فى القاهرة فى الهجوم على ثورة يونيو، فنقلوا نشاطهم الهمجى لشوارع القاهرة باغتيال النائب العام هشام بركات، ليقدموا نموذجا مختلفا عن تنظيم الإخوان الذى يحارب مؤسسات الدولة، بأعمال إرهابية أقل عنفا لكنها أكثر خسة ووضاعة، باستهداف برج كهرباء بقتبلة بدائية أو اغتيال أمين شرطة برصاصة غادرة، أو تنظيم مظاهرة بائسة تشتبك مع قوات الشرطة يفرون بعدها إلى بيوتهم!
كل الشواهد تؤكد أن أبواب التحالف الإرهابى بين الدواعش والإخوان مفتوحة على مصراعيها، فعداء الطرفين للسيسى أكبر من خلافاتهما الفقهية، كما أن السعادة الغامرة التى استقبلت بها عناصر الإخوان نبأ اغتيال النائب العام ثم استشهاد جنونا فى الشيخ زويد تؤكد استعداد المئات من شباب من الإخوان للانضمام لصفوف داعش، وباستعداد مليونيرات الجماعة ف لتمويل العمليات الإرهابية المشتركة المرتقبة بينهما، والتى لن تعدم وجود رعاية كاملة من أجهزة مخابرات أجنبية.
كل هذا متوقع، لكن ما يثير الدهشة أن توجهات أهل الحكم فى مصر لا تزال تراهن على الحل الأمنى وحده لمواجهة هذه الموجة الإرهابية الراهنة، فاختياراتهم الاقتصادية ــ رغم نواياهم الطيبة ــ تعادى الطبقات الفقيرة والوسطى، وحتى شعاراتهم حول التجديد الدينى لن تكون أكثر من دخان فى الهواء، لأن هذا التجديد لن يتم إلا فى أجواء صعود اجتماعى لهذه الطبقات الفقيرة ، وبتحسين ظروفها المعيشية التى تزداد ترديا، وبإطلاق الحريات العامة أمامها، وليس بتقييد حق التظاهر والإضراب وإصدار القوانين التى تغلق الأبواب أمامها للمطالبة بحقوقها بطرق ديمقراطية سلمية.
فى مثل هذه الأوضاع، ستظل السياسات الحكومية المطبقة الآن، وعمليات الإخوان أو داعش الارهابية، وجهين لعملة واحدة، يتغذى كل منهما على بؤس الآخر، ليدفع ملايين المصريين ثمنا غاليا لسياسات لا يشاركون فى اختيارها ولا تحديد أهدافها، وتهددهم إما بالاحتراق بنار الإرهاب أو بالعودة إلى أحضان الدولة البوليسية التى أسسها عبدالناصر ورعاها السادت حتى وصلت لقمة فسادها فى عهد مبارك، واختفت من حياتنا بعد ثورة يناير، حتى عادت لتحوم من بعيد فوق رءوسنا فى عهد السيسى!
الغالبية العظمى من المصريين يؤيدون السيسى فى حربه ضد الإرهاب، ولكنى لا أظن أنهم سيوافقون على استمرار تسميم حياتهم بسياسات حكومية فاشلة وخاطئة، بسبب إرهابيين من الدرجة الثانية!