منذ أسابيع قليلة وبالتحديد يوم 13 يونيو من العام الحالي حدث حادث جلل في الأوساط الأكاديمية الأمريكية وأصبح حديث الصحف والوسط الأكاديمي حتى الآن، فقد أقدم طالب دكتوراه صيني يدرس في جامعة فلوريدا على الإنتحار وأنهى حياته شنقاً، كاتب هذه السطور حضر الكثير من المناقشات في هذا الموضوع لأن هذا الطالب يعمل في نفس التخصص وهو تصميم الحاسبات، قد نظن في البداية أن سبب الإنتحار هو فشل المشروع البحثي وعدم قبول البحث المقدم وقد قُدم هذا البحث للنشر في أحد أكبر المؤتمرات في العالم في هذا التخصص، الغريب أن البحث قد قُبل، إذا فلماذا أقدم الطالب على الإنتحار؟ ترك الطالب رسالة لزملائه في المجموعة البحثية ولأصدقائه وللعالم أجمع يشرح السبب، السبب ببساطة أنه يرى أن البحث المقدم مغلوط وغير صحيح وأنه قد قُبل في المؤتمر لأن بعض المحكمين من أصدقاء الأستاذ المشرف، في تخصص تصميم الحاسبات النشر في المؤتمرات أقوى بكثير من النشر في المجلات العلمية عكس الكثير من التخصصات الأخرى، شعر الطالب بتأنيب الضمير وحاول إقناع الأستاذ المشرف بسحب البحث ولكن دون جدوى بل ويقول أن المشرف نهره وهدده، في هذا المقال سنحاول تحليل هذا الحادث المأسوي ونحاول استخلاص بعض الدروس منه لنا في الوسط الأكاديمي المصرس.
أولاً في تلك المؤتمرات لجنة التحكيم لا تعرف المؤلفين (يتم تسليم البحث عن طريق برنامج كمبيوتر وبدون أسماء) وذلك حتى تُزال أي شبهة تحيز وبالتالي فمعنى أن بعض المحكمين قبلوا البحث من باب صداقتهم للأستاذ فهذا معناه أن الأستاذ المشرف قد يكون إتصل بهم وأخبرهم بالبحث لأن أسماء لجنة التحكيم معروفة، هذا فساد مضاعف من الأستاذ المشرف والمحكمين، ما لم بكن الطالب المنتحر يكذب في ما قاله والموضوع الآن قيد البحث من الجامعة والوسط الأكاديمي وستنشر النتائج ويعاقب كل من أخطأ، وهنا نهمس في أذن جميع أعضاء لجان التحكيم في المؤتمرات العلمية عندنا ألا يراعوا غير المستوى العلمي للبحث، قبول البحث بغرض الصداقة أو لأسباب إنسانية مثل أن مقدم البحث أصبح قريباً من الخروج على المعاش وينقصه بحث واحد للترقية يعتبر غش وليس مساعدة لأنك ساعدته بمال حرام (وهو الزيادة في المعاش) وضللت من سيقرأ البحث في المستقبل من الأجيال الجديدة، قد تقول أنه لا أحد سيقرأ البحث لأن المؤتمر محلي وغير معروف عالمياً ولا أحد يهتم به، إذا كان الأمر كذلك فإن تنظيم هذا المؤتمر العلمي في حد ذاته يعتبر غش!
ثانياً إذا قرأنا بعناية الخطاب الذي تركه الطالب وشهادة أصدقاءه سنجد أن الأستاذ المشرف كان يعامل الطالب أسوآ معاملة بل أن بعض أصدقاءه استعملوا لفظ "الاستعباد"، لاحظ أن أغلب طلاب الدكتوراه في أمريكا من الأجانب ودخلوا البلاد بفيزا دراسة وإذا قرر الأستاذ المشرف فصل الطالب تعتبر الفيزا لاغية ويجب عليه مغادرة البلاد فوراً، وحتى إذا لم يفصل الطالب فإن الأستاذ المشرف يتحكم في ميعاد حصول الطالب على الدرجة وكذلك خطابات التوصية للطالب للحصول على وظيفة بعد التخرج، إذا للأستاذ المشرف سلطة كبيرة جداً وإساءة استغلالها يعتبر جريمة أخلاقية متكاملة الأركان، عندنا في مصر لا توجد مشكلة الفيزا لأن أغلب طلاب الدراسات العليا من المصريين ولكن باقي السلطات موجودة وإساءة استخدامها قد يأتي مستتراً بدون حتى أن يدري الأستاذ المشرف فمثلاً عندما يهمل الأستاذ الطالب ويخلف الميعاد تلو الآخر فتلك إساءة استخدام للسلطة لأن الطالب لن يستطيع حتى أن يتذمر، قد يقول قائل أنا أقسو على الطالب حتى يصبح ضليعاً في تخصصه، هذا صحيح إذا كانت القسوة في المادة العلمية وليست في طريقة التعامل وإذا كانت القسوة تراعي الظروف الإنسانية للطالب إذا كان مريضاً أو يعول أو حدث له طارئ.
ثالثاً وهذه همسة في أذن طلابنا الذين يرغبون في السفر والدراسة في الخارج، للغربة سطوة ضارية وستشعر بالوحدة وبالوجود في مكان لم تعتاده وهذا ليس سهلاً فعليك تحضير نفسك لذلك حتى لا تضغط الغربة على أعصابك وتؤثر على حياتك كلها، لا تظن أن رحلة الدراسة في الخارج سهلة ميسرة بل فيها ضغط نفسي نتيجة الغربة بالإضافة إلى ضغط العمل، لكن إذا تجاوزت ذلك ستحصل على نتيجة باهرة ستراها في علمك وفي شخصيتك.
علاقة الأستاذ المشرف بالطالب قد تؤدي إلى نتائج عظيمة أو حوادث مأساوية.