نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا عن أوضاع التعليم فى المنطقة العربية التى أصبحت تشهد العديد من الصراعات فى الآونة الأخيرة، حيث تفرض الأوضاع السياسية فى المنطقة العربية تداعيات على قطاع التعليم، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، وخاصة فى ليبيا والجزائر وموريتانيا واليمن وسوريا والعراق والأراضى الفلسطينية، على نحو ما برز جليا خلال تفاعلات الثلث الأخير من عام 2019، فى جملة من الأبعاد ونعرض منه ما يلى:
لقد تعددت الانعكاسات التى طالت قطاع التعليم نتيجة سياق الفوضى بالمنطقة، على نحو ما توضحه النقاط التالية:
وقود الاحتجاج
• انخراط طلاب المدارس والجامعات فى الاحتجاجات الشعبية: وهو ما بدا جليا فى حالات عربية عدة مثل موريتانيا والجزائر والعراق. فعلى سبيل المثال، نظم العشرات من نواب البرلمان وقادة الأحزاب السياسية وشخصيات المجتمع المدنى فى موريتانيا، فى 25 أكتوبر 2019، وقفة احتجاجية للتضامن مع مئات الطلبة الذين أقصتهم وزارة التعليم العالى من التسجيل فى الجامعات، على الرغم من تأكيد الرئيس محمد ولد الغزوانى على أن التعليم يمثل أبرز أولوياته.
وما زال الطلبة يشكلون قوة رئيسية فى احتجاجات الجزائر للأسبوع الـ37 للمطالبة بعدم إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر موعدها فى 12 ديسمبر المقبل، ومهاجمة بعض المرشحين باعتبارهم «امتدادا للنظام السابق»، وكذلك المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين. كما انضم الطلاب فى عدد من المحافظات العراقية إلى التظاهرات التى تطالب بإقالة الحكومة العراقية وحل البرلمان وإجراء الانتخابات المبكرة على مدى الأيام القليلة الماضية.
الجنود الأطفال
• تزايد الالتحاق بالجماعات المتطرفة: تساهم الأوضاع داخل مناطق الصراعات المسلحة العربية، مثلما هو حادث فى ليبيا واليمن، فى عدم توافر الفرص الكافية للتعليم فى مراحله المختلفة، واستهداف البنى التحتية والمرافق التعليمية، وهو ما يؤدى إلى تأثر قطاع التعليم وتعرضه لعواقب وخيمة، لاسيما أنه لا تلوح فى الأفق فرص لتسوية الصراع سياسيا أو حسمه لصالح أحد الأطراف عسكريا، فضلا عن الظروف الاقتصادية السيئة التى تمثل مُحفِّزا للانضمام إلى الجماعات المسلحة بعد الوعود المالية التى تقدم لهم.
وفى هذا السياق، عملت ميليشيا المتمردين الحوثيين على ترسيخ لغة القتل والعنف والكراهية، والتحريض على ترك المقاعد الدراسية والقتال فى صفوفها، وهو ما جاء فى سياق إقامة فعاليات طائفية، وتوزيع بيانات على عدد من المدارس بأمانة العاصمة تشدد فيه الميليشيا على حشد الطلاب والمعلمين، فضلا عن إغلاق مراكز لمحو الأمية وتعليم الكبار، وتعرض المراكز التعليمية للنهب والمصادرة، وهو ما يقود إلى تقويض قطاع التعليم اليمنى.
تفكيك ممنهج
• محاولة تغيير الهوية المجتمعية: تقوم ميليشيا المتمردين الحوثيين بتعديل المناهج التعليمية بما يصب فى صالحها، وهو ما تمت ملاحظته منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء فى سبتمبر 2014 وحتى الآن. ويضاف إلى ذلك ارتكاب الحوثيين انتهاكات أخرى فى قطاع التعليم، خلال الفترة من أكتوبر 2018 وحتى أكتوبر 2019، رصدها التقرير الذى أعده مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة بالتزامن مع اليوم العالمى للمعلم بعنوان «نحو المجهول»، ومنها اختطاف مديرى مدارس ومشرفين ومدرسين ومدرسات وطلاب وطالبات، وتعرضهم للتعذيب فى السجون، واقتحام المنشآت التعليمية حكومية أو خاصة، وتجنيد الأطفال الطلاب دون السن القانونية، فضلا عن الفصل الوظيفى للمناوئين للحوثيين، والاعتداء على الوقفات الاحتجاجية السلمية للمعلمين.
حذرت جامعة الدول العربية من تهويد المناهج التعليمية الفلسطينية، على نحو ما جاء فى كلمة السفير سعيد أبوعلى، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، رئيس قطاع فلسطين والأراضى العربية المحتلة، فى 13 أكتوبر 2019، خلال افتتاح الدورة 100 للجنة البرامج التعليمية الموجهة للطلبة العرب، حيث قال إن «محاولة حكومة الاحتلال الإسرائيلى منع تدريس المنهج الفلسطينى فى القدس تشكل تعديا جديدا على حقوق الشعب الفلسطينى وانتهاكا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، خصوصا معاهدة جنيف الرابعة وما فيها من نصوص حيال الوضع التعليمى فى البلاد المحتلة».
وذكر أنه «فى قطاع غزة لا يزال الاحتلال الإسرائيلى يستهدف مؤسسات التعليم، ويواصل تدميرها وعرقلة وصول مواد إعادة بناء ما دمر منها، وأيضا يعرقل وصول الكتب المدرسية إلى طلبة هذا القطاع وحرمانهم من الالتحاق بجامعات الضفة الغربية»، مشيرا إلى أن «سلطات الاحتلال تواصل تشويه المناهج الفلسطينية، حيث تحذف كل النصوص التى تحمل معانى الدفاع عن شرعية وعدالة القضية الفلسطينية، فضلا عن القصائد والرموز الفلسطينية ودروس التاريخ الفلسطينية، وكل ما له علاقة بالهوية الفلسطينية».
تحطيم النفسيات
• تصدع الكيانات الأسرية: تواجه أغلبية المعلمين فى المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين فى شمال اليمن ظروفا سيئة، نظرا للانعكاسات المالية والنفسية الناتجة عن عدم الحصول على الرواتب وغياب فرص العمل وتدهور الحافز المعنوى للمعلمين، وهو ما يؤثر على استقرار الأسر، بل وتشير بعض الكتابات اليمنية إلى تزايد معدلات الانتحار فى أوساط الأساتذة والمدرسين لاسيما فى ظل شعور عميق باليأس وغياب أى بدائل منظورة.
عسكرة المدارس
• دمار المنشآت التعليمية: تم استهداف المدارس وغيرها من المرافق التعليمية مثل الفصول الدراسية والمكاتب الإدارية والمعامل العلمية، كليا أو جزئيا، من قبل الميليشيات المتصارعة فى المنطقة العربية، وبصفة خاصة فى ليبيا واليمن وسوريا، بل إن بعض الأطراف تستخدم المدارس كمستودعات للأسلحة واحتجاز عناصر القوى المعارضة لها، وتحولت البنى التحتية التعليمية إلى مقار للتجنيد والتدريب للأفراد المقاتلين فى صفوف الجماعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة فى هذا البلد أو ذاك.
لذا، أطلقت منظمة «اليونيسف»، فى 2 أكتوبر 2019، حملة «العودة إلى المدارس» فى ليبيا لدعم وتشجيع التلاميذ للذهاب إلى المدرسة فى ظل أجواء ملائمة ومُحفِّزة، لاسيما الذين يعانون ويلات النزوح من مناطقهم التى تقترب من أماكن الاشتباكات. وسبق أن أشارت «اليونيسف»، فى 29 يوليو 2019، إلى أن «المدارس والمستشفيات هى الأماكن الآمنة للأطفال فى أوقات الحروب، ويجب أن تبقى بعيدة عن الصراع المسلح فى ليبيا»، موضحة أن «الاشتباكات المسلحة أثرت على تعليم الأطفال فى طرابلس وغرب ليبيا بشكل عام، وفقد قرابة 120 ألف طالب وطالبة شهورا من التعليم لأن مدارسهم أغلقت بسبب الصراع الدائر فى العاصمة». وقد وقعت «اليونيسف» أول اتفاقية شراكة لعام 2019 مع المجلس النرويجى للاجئين والهادفة إلى تعزيز الوصول إلى التعليم للفتيات والفتيان فى طرابلس وبنغازى بما فى ذلك الأطفال النازحين.
سوق سوداء
• تدبير موارد مالية للميليشيات المسلحة للبقاء فى الجبهات القتالية: تحولت شوارع فى عدة مدن يمنية مثل صنعاء وإب الواقعة تحت سيطرة المتمردين الحوثيين إلى أسواق سوداء لبيع الكتب المدرسية بعد حرمان الطلاب من الحصول عليها، ووجود مماطلات عدة من قبل إدارات المدارس الموالية للجماعة فيما يتعلق بتأمين الكتب المدرسية للطلبة، مما يفرض مزيدا من الأعباء على الأسر اليمنية، بل تشير بعض التقديرات إلى أن ميليشيا المتمردين الحوثيين قلصت طباعة الكتاب المدرسى من 60 مليون كتاب فى العام الواحد إلى أقل من 8 ملايين كتاب، لاسيما أن معظم المدارس لا تخضع لسيطرة مطابع الكتاب المدرسى، سواء ماليا أو إداريا أو رقابيا، بل تشرف عليها وزارة التربية التابعة للحوثيين.
الأجيال الضائعة
خلاصة القول، إن الاحتجاجات التى تندلع فى عدد من نقاط الاشتعال العربية والصراعات التى تشهدها بعض دول المنطقة أدت إلى تركيز الطلاب بشكل مكثف على ساحات الاعتصام بديلا لقاعات الدرس، وذلك نتيجة لإغلاق الآلاف من المدارس وعدم انتظام دوام المعلمين وتدريس المناهج الدراسية بصورة جزئية، فضلا عن إضفاء صبغة طائفية على المقررات التعليمية، فى بعض الأحيان، والالتحاق بالجماعات العنيفة والتنظيمات الإرهابية، على نحو تزامن مع استمرار دمار البنى التحتية التعليمية، وهو ما أدى إلى تبلور أجيال فاقدة للتعليم، لدرجة أن سوريا أضحت فى المرتبة الأولى فى أقل نسبة تسجيل فى المدارس عالميا.
النص الأصلى: انقر هنا
الاقتباس
إن الاحتجاجات التى تندلع فى عدد من نقاط الاشتعال العربية والصراعات التى تشهدها بعض دول المنطقة أدت إلى تركيز الطلاب بشكل مكثف على ساحات الاعتصام بديلا لقاعات الدرس.. وذلك نتيجة لإغلاق الآلاف من المدارس وعدم انتظام دوام المعلمين