كقصور من الرمال تضربها الأمواج الصاخبة من كل جانب، بدأت كل مخططات آبى أحمد رئيس الوزراء الاثيوبى تواجه خطر التصدع والانهيار، فكل التحالفات التى بناها منذ توليه السلطة، لحصار مصر سياسيا ودبلوماسيا على المستوى الاقليمى والسيطرة عليها بالتحكم فى مياه النيل، أصبحت الآن فى مهب الريح.
كان الرجل يمد يديه للجميع بلا استثناء، سواء فى محيطه الإفريقى أو دول الخليج أو مع إسرائيل أو حتى تركيا ما عدا دولة واحدة هى مصر، رغم أنها الدولة التى كان ينبغى أن يسعى بجدية لتعزيز التعاون معها لو كان صادقا فعلا فى تصدير صورته للعالم كرجل سلام وتنمية، وأن يطرح عليها مشروعا تنمويا يجمعهما مع كل دول حوض النيل من أجل رفع مستوى معيشة شعوبها.
بمجرد وصوله للسلطة أبرم آبى أحمد عام 2018 معاهدة سلام وتعاون مع جارته اللدودة أرتيريا، أنهت حربا ضروسا استمرت 20 عاما بينهما وخلفت 80 ألف قتيل، ثم وطد علاقات بلاده مع نظام الرئيس السودانى المخلوع عمر البشير، وبعد قيام الثورة ضده أيد النظام الجديد، بل وتوسط بين فرقاء الثورة لحل خلافاتهم السياسية، وكسب بذلك تعاطف الشعب السودانى بمعظم إن لم يكن كل قواه السياسية، فى نفس الوقت كان يدعم علاقات بلاده مع بقية دول حوض النيل ويحرضها ضد مصر، مع دعمه للاستثمارات الخليجية فى بلاده فى رهان على استخدامها كورقة ضغط عليها.
لكن عقلية الرجل العنصرية كانت أكبر من خبثه ودهائه، ففى أزمته مع إقليم التيجراى ظهر على حقيقته كسفاح أصيل لا يتورع عن التصفية العرقية لأبناء بلده، فسمح لجيشه بارتكاب جرائم حرب دامية ضدهم لمجرد رفضهم الاندماج فى حزب الازدهار الذى أسسه، أو تأجيل الانتخابات البرلمانية، كما سمح للجيش الاريترى ــ كما تقول تقارير غربية ــ بعبور الحدود لمساندته فى هذه الحرب.
كما كان جشعه وطمعه أكبر من ذكائه السياسى، فحاول بكل الطرق الإبقاء على احتلال بلاده أراضى الفشقة، وقام بتسليح ميليشيات إثيوبية لمهاجمة الجيش السودانى فى استغلال خسيس للأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يكابدها السودان، وهو الأمر الذى أشعل غضب السودانيين وجرح كبريائهم الوطنى، فاضطرت الخرطوم إلى اللجوء للسلاح للدفاع عن نفسها.
لكن الضربة القاصمة لكل مخططاته تمثلت فى توقيع مصر والسودان اتفاقية عسكرية للدفاع عن الحدود ومواجهة أى تهديد لأمنهما القومى، وهو مارد عليه آبى أحمد بسياسة «حافة الهاوية»، بإعلانه انه سيواصل ملء السد سواء اتفق مع دولتى المصب أم لا، وكأنه لا يعبأ بالحرب معهما أو كأنه واثق من انتصاره فيها، ومع ذلك فقد يلجأ الرجل فى آخر لحظة إلى خدعة جديدة ويعلن تأجيل الملء الثانى لكسب الوقت باعتبارها آخر ورقة يملكها، خاصة أنه أدرك متأخرا انه لن يستطيع التعويل على أى مساندة خليجية أو تركية أو حتى إسرائيلية فى المواجهة مع مصر!
المشكلة الحقيقة أن العقلية الإجرامية التى تسيطر على قادة إثيوبيا، تجعلنا نتشكك فى مصداقيتهم حتى لو وقعوا اتفاقية ملزمة لملء وتشغيل السد، فالمؤكد انهم لو تمكنوا من ملء خزانه سيطيحون بها فى الهواء، لأنهم يدركون أن أى محاولة لتدميره سوف تغرق السودان وربما أيضا صعيد مصر.