أيا كانت السياسات الاقتصادية التى سوف تتبعها حكومة هشام قنديل خلال الشهور المقبلة فإن هناك توقعا بحدوث عدم استقرار سياسى، وأزمات اقتصادية واجتماعية حادة. البدء فى سياسات التقشف بما تعنيه من فرض ضرائب جديدة، رفع الدعم جزئيا عن الوقود، ارتفاع أسعار السلع، تزايد معدلات البطالة وتصاعد التضخم... الخ، سوف تؤدى إلى احتجاجات اقتصادية واجتماعية، وربما توتر سياسى. أما إذا قررت الحكومة أن تقف مكتوفة الأيدى لا تفعل شيئا فإن الأوضاع سوف تسوء من تلقاء نفسها، ونصل إلى نفس النتيجة المشار إليها وهى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة واحتقان سياسى حاد.
عجز الموازنة العامة قارب من مائتى مليار جنيه، البطالة تعدت 13% من السكان، يظل متعطلا نحو 60% منهم لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، معدلات الفقر بلغت 25%، وتصل فى الصعيد إلى 50%، والاحتياطى النقدى من العملة الصعبة يكفى لسد السلع الأساسية المستوردة لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر فى ضوء تراجع السياحة والاستثمار.
الموقف صعب على أى حكومة، وليست فقط حكومة قنديل. المطلوب مصارحة الناس بحقيقة الأوضاع، والسعى إلى إيجاد توافق سياسى واسع حول برنامج اقتصادى مؤلم. لو كنت فى موقع رئيس الجمهورية لدعوت إلى مؤتمر اقتصادى موسع، تشارك فيه العقول المصرية من جميع الاتجاهات والمشارب، يخلص إلى برنامج عمل، يتمتع بتأييد سياسى وأكاديمى، تقوم الحكومة بتطبيقه فى أجواء من الشفافية. المسألة بصراحة تفوق قدرة الحكم الحالى، وهى ليست معركة سياسية، بل فى المقام الأول مصلحة وطن.
بناء الثقة السياسية مطلوب لتمرير حزمة من الإجراءات الاقتصادية التقشفية القاسية، التى لا مفر من الخوض فيها وفق رؤية واضحة، بعيدا عن الاستقطاب، والمناكفات السياسية والتخلى عن العناد والمكابرة، والتخلص من الاعتقاد أن الاقتصاد هو «القشة» التى سوف تقصم ظهر هذا النظام، وتسقطه، لأن فى ذلك مقامرة على بطون المصريين، وأحلام الشباب، ومستقبل أجيال قادمة. وفى المقابل ينبغى أن يتخلص الحكم من الشعور المفرط بالمؤامرة، والمخاوف المبالغ فيها من القوى والتيارات السياسية الأخرى، وينفض عن كاهله التصورات الضيقة التى تخرج عن جماعة سياسية لم تتسع لتشمل الوطن، ولا تزال تعالج الشأن العام من منظور الصالح الخاص.
شهور الصيف الساخنة المقبلة سوف تحدد مستقبل مصر، الذى لا تزال نخبه السياسية والثقافية أسيرة الصراعات الصغيرة فى حين أن مراكز الأبحاث العالمية تدق كل يوم جرس الإنذار بشأن التدهور الاقتصادى المريع الذى يتفاقم بشكل لافت.
المطلوب رؤية اقتصادية من جانب الحكومة، ونقاش موضوعى، وتوافق من جانب الفرقاء السياسيين. للأسف أهل السلطة فى واد والمعارضة فى واد آخر، أما الناس فهى تعانى، وسوف تزداد معاناتها خلال الشهور المقبلة، ولا أحد يعرف مدى وتداعيات الانفجار الاجتماعى إذا حدث.