ممارسة السياسة من خلال الفتن - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ممارسة السياسة من خلال الفتن

نشر فى : السبت 8 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 8 يونيو 2013 - 8:00 ص

هل نحن العرب متخصّصون فى ممارسة الخلافات العبثية فيما بين مكوناتنا حتى إبّان المحن الكبرى التى تطال وتسحق الجميع، ولا تستثنى أحدا؟

 

  فى تاريخنا هناك الفتنة الكبرى، من معركة الجمل إلى مقتل عثمان المأساوى، إلى حرب صفين الكارثية، إلى جريمة الخوارج بحق الإمام على إلى الاغتيال المفجع للإمام الحسين بن على فى كربلاء، إلى الانقسام المميت بين الأمويين والعباسيين إلى.. إلى.. بلا نهاية، والتى نذوق مرارتها ونحصد ثمارها الفاسدة إلى يومنا هذا، وإلى سنين طويلة قادمة. أهناك أشدُّ مرارة من حصاد تلك الفتنة متمثلة فى المشاحنات الطائفية السنيّة ــ الشيعية فى أيامنا التى نعيش بينما يعود الاستعمار إلى أرضنا ويتمدَّد النفوذ الصهيونى فى كل أرجاء وطننا ونحمل سبّة وعار التجزأة والتخلف أمام كل العالم الذى يتفرَّج ويعجب من استمرار عجز هذه الأمة وقلّة حيلتها؟

 

●●●

 

ليس أفدح من سوءات ممارسات ذلك التاريخ إلا مسلسل الفتنة الكبرى فى عصر الأمة الحديث. إنها فتنة حلقات من الانقسامات المفجعة السُريالية. هل نذكر انقسام الحركة القومية، ذات الشعارات الواحدة، إلى بعث وقوميين عرب وناصريين فى الوقت الذى كان فيه مدٌ وعنفوان الاستعمار ــ الصهيونية ــ الرجعية العربية موحد الأهداف والرُؤى والفعل؟

 

            هل نذكر الانقسام الفلسطينى، فكرا ونضالا وعلاقات داخلية وخارجية متناقضة، بينما الوجود الصهيونى يتمدَّد ويأكل على مائدة الغنائم ثمُ يبصق الفتات للمتناحرين الساهين عنه وعن الوطن الذى يضيع؟

 

 هل نذكر الانقسام البعثى ــ البعثى المجنون الذى أضاع فى النهاية الفرصة التاريخية لعراق ــ سورى قوى شامخ يهابه الأعداء ويجرُ قاطرة الوحدة العربية إلى برِّ الأمان؟

 

 هل نذكر الانقسام القومى العربى ــ الإسلامى العبثى الطفولى الذى أنهك قوى الأمة وأضاع فرص الوطن، حتى إذا بذلت جهود كبيرة عبر ثلاثين سنة لإيجاد ارضية مشتركة فيما بين التيارين، ونجحت تلك الجهود إلى حدود معقولة، انهارت علاقة القربى أمام أطماع وسلطة الانتهازية التى رأت فى الربيع العربى فرصة القفز على الحكم وسرقة منجزات شباب ضحوا بأرواحهم وبهروا العالم بحيوية إبداعاتهم؟

 

  هل نذكر انقسام الحركة الإسلامية السياسية نفسها إلى إخوان مسلمين وسلفيين وجهاديين متناحرين وذلك فى أحرج فترة انتقالية لثورات وحركات الربيع العربى الواعد؟

 

 هل نذكر انقسام المعارضة السورية إلى قوى ديمقراطية سلمية قلبها على وحدة سوريا وتناغم مكونات شعبها، وفى المقابل إلى قوى عنف تحركها أموال وتدخُلات المغامرين والطائفيين، لتصبح الحركة الشعبية الديمقراطية فى سوريا أمثولة للكثير من الخزى والألم والخجل وقلُة المروءة؟

 

 هل نذكر أصوات الانفصالات والتجزأة والإضعاف فى اليمن والسودان والعراق وسوريا وغيرهم كثير؟

 

 هل نذكر المرَات الكثيرة التى شعَ ألق البطولات فى الأرض العربية وأيقظ الآمال والفرح، حتى إذا ما دخل أصحاب البطولات فى دهاليز السياسة والمماحكات الطائفية أو القبلية انطفأ ذلك الألق ودخلت الأمة فى ظلمات اليأس والقنوط؟

 

 قصص وأمثلة الفتن الكبرى فى عصرنا الذى نعيش تحتاج إلى مجلدات.

 

 لقد أصبحت الفتن ظاهرة ملازمة لمسيرة العرب فى التاريخ، ولم نتعلم من تكرارها شيئا. وها أن الفترة الانتقالية لما بعد ثورات وحراكات الربيع العربى المبهرة الساطعة فى سماء العالم تبتلى بكثير منها، بل لم تبق فتنة فى قاموس الفتن إلا وتم إشعالها. لقد استعمل حطب التاريخ والجغرافيا والعرق والدين والمذهب والجنس لإشعال فتن لم تخطر قط على البال السوى.

 

●●●

 

 الأسئلة العربية الأبدية تطرح نفسها فى كل منعطف من تاريخنا القديم والحديث: لماذا لا نقتنع بأن التنازلات المتبادلة بين الأطراف المختلفة فيما بينها هى أحد الأسس التى تقوم عليها كل فائدة إنسانية، كل فضيلة وكل عمل معقول، كما جاء على لسان ادموند بيرك، السياسى والكاتب الإيرلندى الشهير؟ لماذا لا نفق بين الأيام العادية وبين أيام تكالب الأعداء على هذه الأمة المبتلاة ؟لماذا لا نعطى حيزا كبيرا لممارسة الأولويات فى حياتنا السياسية؟

 

 هل نريد لثقافتنا السياسية أن يحكمها منطق أننا «قوم لا توسط بيننا»، أم منطق «وكذلك جعلناكم أمُة وسطا»؟ ممارسة السياسة من خلال منطق الفتن أصبحت إشكالية عربية كبرى. إنها تقوض كل محاولة للنهوض، للخروج من تحت عباءة الاستعمار، لالتقاط الأنفاس لمواجهة البربرية الصهيونية، لتأجيل الاختلافات الأيديولوجية إلى ما بعد انقشاع محن الأمة وتراجع أعدائها.

 

 للمرة الألف نقولها لشباب الثورات والحراكات المباركة فى الوطن العربى الكبير: احذروا فخ الفتن الذى ينصب لكم وخنجرها الذى يقطر دما، إنها دماء أمتكم.

 

 ما نقوله لكم كصرخة مستجدية هو صدى لما تقوله بحسرة وألم الملايين من أبناء أمتكم يوميا فى كل أصقاع الوطن الكبير المنكوب.

 

 

 

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات