التحليلات المتشائمة لإقدام الرئيس السيسى وحكومته على تخفيض الدعم على الوقود والكهرباء، وما استتبعه ذلك من ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية، تراهن على أننا بانتظار «ثورة ثالثة» أو بمعنى أصح بانتظار «فوضى شاملة»، لن تكون بالتأكيد مثل ثورة 25 يناير التى أزاحت ديكتاتورا فاسدا ونظاما بوليسيا قمعيا، ولن تكون مثل ثورة 30 يونيو التى أسقطت مافيا الإخوان والفاشية الدينية، ولكنها ستكون كطاحونة دماء، تحطم أوصال الدولة نفسها، وتفتح الأبواب أمام معارك طاحنة بين ميليشيات الإخوان والتنظيمات المتطرفة، وجماهير غاضبة، وشباب يشعر بأن «ثورته» سرقت منه، وإمبراطوريات البلطجية، وفاسدى نظامى مبارك والسادات!
قد لا يكون هذا السيناريو الدموى مطروحا على المدى المنظور، لكنه يبقى الخيار المفضل لمافيا الإخوان وشركائهم من أمثال داعش وأنصار بيت المقدس وأجناد مصر وغيرها من التيارات الإرهابية، التى تدعمها دوائر غربية مشبوهة بالمال والسلاح، وتحركها مثل عرائس الماريونيت من أجل استنساخ السيناريو العراقى أو السورى فى مصر، فى نفس الوقت الذى تترك فيه هذه التنظيمات تعيش فى أوهامها المريضة حول عودة المعزول للقصر يوم الجمعة العصر، أو إقامة دولة الخلافة بقيادة الخليفة أبو بكر البغدادى أو حتى أيمن الظواهرى!
لكن ما يثير القلق فعلا هو أن بشائر السياسات التى يتبناها النظام الجديد فى مصر، توفر المناخ للاقتراب من هذا السيناريو، أو على الأقل تهيئ الظروف الموضوعية لرفع وتيرة العنف السياسى والاجتماعى فى البلاد، فالفقراء سوف يزدادون فقرا برفع الدعم وارتفاع الأسعار، وإشارات الغضب الجماهيرى من هذه السياسات، يبدو أنها لا تلفت أنظار السيسى وحكومته، فالرئيس خلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف أمس الأول كان حاسما فى عزمه على الاستمرار فيها، وهو يراهن ــ فيما يبدو ــ على نجاحه فى الخروج من الأزمة الاقتصادية الصعبة خلال عامين، دون أن يوضح للناس بالأرقام ما الذى سيحدث بالضبط فى موازنة 2017 بحيث تجعل الناس يشعرون بتحسن مستوى معيشتهم، وكيف سيخرج ملايين المصريين من دائرة الفقر الجهنمية التى تحاصرهم من كل الجهات، وكيف سيجد ملايين العاطلين عملا شريفا يوفر لهم حياة آدمية كريمة..
هذا الغموض فى برنامجه الاقتصادى هو نقطة ضعف السيسى الأساسية التى قد يتخذها البعض مؤشرا لفهم انحيازات الرجل الاجتماعية، ومع ذلك لا أحد عاقلا يشكك فى وطنيته، ولا فى شجاعته فى التصدى لمافيا الإخوان، ولا فى رغبته فى أن تكون مصر «قد الدنيا»، ولكن هؤلاء الملايين الذين اختاروه رئيسا، لن يقفوا خلفه حتى النهاية وهم يضحون بحاضرهم من أجل مستقبل مجهول، فمن حقهم عليه أن يعرفوا لماذا يضحون؟ ولمتى بالضبط؟ ومن حقهم عليه أن يعرفوا ماذا يدور فى رأسه بالتفصيل؟ ولماذا لم يلجأ لسد عجز الموازنة باتخاذ إجراءات لا تضر بالفقراء ومحدودى الدخل؟ ولماذا مثلا لم يوفر السلع الغذائية بأسعار مناسبة فى الجمعيات الاستهلاكية قبل تخفيض الدعم؟ ولماذا لا يفرض ضرائب على أثريائنا كالتى تفرضها أمريكا مثلا على مليونيراتها؟ ولماذا لم يضم الصناديق الخاصة إلى الميزانية العامة للدولة؟ ولماذا لا يحاسب فاسدى مبارك على مصانع وأراضى الدولة التى باعوها بتراب الفلوس للمحاسيب نظير عمولات بالملايين، ويأخذ حق الدولة منهم؟
السيسى الذى واجه أزمة الدعم بهذا الحسم، مطالب بأن يكون حاسما أيضا فى هذه الملفات الشائكة، وقبل ذلك عليه أن يدرك أن إيمان الناس ــ بكامل حريتهم ــ بخططه الاقتصادية، واقتناعهم بجدواها، هو الضمان الأول والأخير لنجاحها.. ولنجاحه كرئيس!