تتابعت أيام الشهر الكريم وتوالت لينحسر ذلك الفيض من الظواهر الاجتماعية والمظاهر التى جعلت من رمضان غريبا فى بلاده، تميز رمضان بمظاهر حملها إلى أرضنا أسلاف فاطمة رضوان الله عليها. دخول الفاطميين أضاف ملامح بهيجة لرمضان فى بلادنا بقيت معْلما يميز رمضان عن كل البلاد الإسلامية التى ترى فى أيامه زهدا متصلا وعبادة لا تنقطع وعزوفا عن البهجة والفرح. ظل رمضان لدينا أيضا شهر العبادة والبر والإحسان والصلة المتصلة بالله سبحانه وتعالى يعلن عن أيامه الكريمة مآذن التى جاوزت الألف حينما أخذت القاهرة موضعها على خريطة العالم الإسلامى.
لكن ذلك لم يمنع المصريين من زينة الشوارع ومن لعب أطفالهم فى الحارات إلى موعد السحور بالفوانيس الملونة المضيئة فى انتظار المسحراتى بشدوه العذب. أيضا أدى لهم حبهم لأيام رمضان والعيد لابتكار أنواع الكعك بالسكر ومختلف ألوان الطعام التى يقدمونها عن رضا وطيب خاطر للجار والقريب وابن السبيل والعابر من الغرباء.
لماذا كل تلك المقدمة الطويلة عن رمضان إذا كان الغرض هو العنوان: الحديث عن العمل الاجتماعى وثقافة الخدمة العامة؟
لا أنكر أنها محاولة منى للتأكيد على ملامح تلك الصورة البديعة المخبأة فى نسيج عقلى وقلبى لرمضان الذى عشناه فى طفولتنا وأيام البدايات.
صورة محفورة فى ذاكرتى لما أجبته دائما فى هذا الشهر الفريد أقاوم بها كل أثر لرمضان الغريب الذى تسرب إلينا متخفيا حتى احتل منابر الإعلام وفرض نفسه لزجا قبيحا قميئا مختالا بملامح مختلطة لا علاقة لها بملامح رمضان الشرعية التى اختص المجتمع المصرى بها نفسه دون سائر الأوطان فيما سبق. فلا عبادة ولا تبتل ولا رحمة ولا دعوة لمعروف ولا قيام أو سجود إنما مواعيد المسلسلات التى تمجد ثقافة البلطجية وتؤصل لقيمة الفساد وتدعو للكراهية بين أبناء الوطن الواحد أو فيضان إعلانات «بيزنس» الخير التى تؤكد أن الغاية تبرر الوسيلة.
إعلانات تستفزك وتشير إلى ما أنت فيه من نعيم بينما إخوتك فى النجوع والكفور يتقاتلون على بقايا طعام فى طبق واحد. إعلانات تلاحقك ببؤس الآخرين وأمراضهم ومصائرهم وتشير من طرف خفى إلى أنك المسئول أمام الله عن تلك الأقدار وأن عليك أن تتفادى غضبه بأن تدفع بالتى هى أحسن. وإعلانات أخرى بهيجة أنيقة لامعة لا تشعر وأنت تشاهدها أن نصف ما ستدفعه ستتقاضاه شركة الإعلانات التى أضفت تلك اللمسة الجمالية التى اخترقت عقلك كالسهم.
يجب أن تتوقف كل أنواع الإعلانات التى تستهدف زكاة وصدقات فرضها الله سبحانه لتنظيم العلاقة بين الإنسان وأخيه أيًا كان دينه.
يجب أن يبدأ تفعيل دور المجتمع المدنى فى دعم كل الأساليب الحديثة التى قد لا تستطيع الدولة الوفاء بالتزاماتها تجاهها بصورة تعينها على أداء واجبها على الوجه الأكمل.
على المجتمع المدنى أن يكون نصير كل مكان يقدم خدمة حقيقية لازمة للإنسان وتمس حياته وكرامته كالحق فى العلاج والصحة. أن يكون دوره إعداد ملف عن أهمية المكان للإنسان المصرى البسيط وعن امكانيات المكان الحقيقية والمستهدفة والميزانية التى يجب توافرها لخدمة مؤثرة ليس من الضرورى أبدا أن تكون خدمة سبع نجوم.
تسألوننى كيف؟
للحديث بقية.. إن شاء الله.