فى إطار متابعاتنا لقضايا الريف المصرى فى ظل حديثنا المستمر منذ عدة أسابيع عن مشروع تطوير الريف الذى بدأته الحكومة مطلع هذا العام، تناولنا قضية مياه الرى وأسعار الحاصلات وتوافر الأسمدة والبناء على الأرض الزراعية وتوافر التقاوى والبذور. اليوم نتطرق إلى قضية مهمة أخرى تتعلق بإمداد الريف بالخدمات المختلفة، اللازمة لتحويل حياة الفلاح من إنسان له ذات الحقوق التى تتمتع بها الفئات الأخرى فى الحضر.
والإدارة هى الفصيل الرئيس الموكول له تذليل المشكلات المتعلقة بإيصال الخدمات للفلاح، لأن تلك المشكلات تتعلق بتوفير السلطة السياسية للدعم المالى من الموازنة العامة للدولة لتحقيق تلك الأغراض. أى أن حل تلك المشكلات يحتاج لمخصصات مالية كبيرة بغرض تحسين وضع البيئة التى يعيش فيها الفلاح. هذا الأمر رغم أهميته الكبيرة، إلا أنه لا يبدو أنه أمر مستعصى على الحل، فى ظل الموارد الكبيرة للموازنة الواردة من حصيلة الضرائب التى زادت مؤخرًا بشكل كبير، وكذلك ما حدث فى الآونة الأخيرة من الحد الكبير من عجز الموازنة الناجم عن تقليص الدعم على الوقود والطاقة وتنظيم دعم الخبز، وهما البندان اللذان كانا يساهمان فى إرهاق كبير للموازنة العامة خلال العقود السابقة.
فى الأسبوع الماضى طرحت مسألة إيجاد ضابط بكل قرية لتنظيم جميع الأمور المتعلقة بإيصال الخدمات للقرى. الأمر بالتأكيد شاق جدًا، فهو إضافة لما يؤخذ عليه من أمور ذات طابع سياسى، فإن له جوانب وإشكاليات كثيرة. بعبارة أخرى، فإننا لو نحينا التداعيات السياسية جانبًا لهذا الموضوع، وتطرقنا للأمور ذات الطابع الفنى لوجدنا الكثير من المعضلات. فبداية نحن بحاجة إلى أكثر من 5000 عنصر ومثلهم مساعدين للقيام بهذا العمل، ويماثل عدد هؤلاء عدد القرى المصرية فى ربوع مصر. ونحن نحتاج أيضا إلى سكن لهؤلاء فى مواقع العمل (القرى)، ونحتاج إلى جهد كبير للغاية لتنظيم العلاقة بين هؤلاء الجدد والعمد والمشايخ ورؤساء الأحياء والمدن ومأمورى مراكز وأقسام الشرطة وقادة نقاط الدرك الأدنى من المراكز والأقسام، وهم تابعون لوزارة الداخلية، وكذلك هناك حاجة إلى تنظيم العلاقة بين قادة هذا الفريق الجديد والمحافظين والوزراء ومديريات الوزارات المختلفة فى المحافظات. والأهم من كل ذلك، نحتاج إلى أن يكون كل هؤلاء من العاملين المستحدثين لديهم خبرة فى الإدارة والشأن الخدمى والفنى لمتابعة المهمة الموكولة لهم، أى لديهم خبرات فى الرى والأسمدة وأسعار الحاصلات ومقاومة الآفات وتوزيع التقاوى والبذور والغاز وحل الخلافات المرتبطة بالتخطيط العمرانى والكردونات والأحوزة العمرانية والبناء على الأرض الزراعية.. إلخ. وكل تلك الأمور للإدارة البيروقراطية الحالية خبرة كبيرة فيها، وإن كانت تحتاج إلى تطوير كبير فى الأداء، لمجاراة التقنيات الحديثة.
عودًا إلى الخدمات المطلوبة فى هذا المضمار يجب أن نذكر أن بعض تلك المشكلات رغم كونه يتعلق بالريف إلا أنه يتسم بالعمومية كالتعليم والصحة، أى أن إصلاح تلك الأوضاع فى الريف يرتبط بإصلاحها على مستوى الجمهورية ككل. وهناك مشكلات أخرى تتسم بالخصوصية أو بالطرح الجهوى، رغم ما لها من أبعاد عامة كالنقل والوقود وغيره من مصادر الطاقة.
وإذا نحينا المشكلات العامة جانبا وانتقلنا إلى المشكلات الخاصة التى يعانى منها أهل الريف مقارنة بأهل المدينة، لوجدنا أنه من الأهمية بمكان إيجاد حلول ناجعة للنقل والمواصلات، فيما يتصل بنقل الحاصلات إلى الأسواق وقبل ذلك نقل البذور ووسائل مقاومة الآفات، وماكينات وآلات الحرث وجمع المحاصيل، ما يعنى الاهتمام بشبكات الطرق لتجنب أية معوقات.
أما مشكلات الوقود وغيرها من مصادر الطاقة فإن الفلاح فى حاجة حقيقية لدعم الوقود خاصة السولار اللازم لماكينات الحرث والحصد والرى ورش المبيدات، صحيح أن الدولة سعت خلال السنوت القليلة الماضية لرفع الدعم عن جميع مصادر الطاقة، ومن الصعب استثناء فئة دون أخرى فى ذلك الرفع، إلا أنه رغم ذلك من الممكن أن يتم دعم الوقود وغيرها من مصادر الطاقة الخاصة بالفلاح بوسائل أخرى، كدعم البذور وفتح الأسواق لتصدير المنتجات الزراعية ودعم أسعار الحاصلات الزراعية وغير ذلك.
خلاصة القول، إن هناك حاجة ملحة لأفكار جديدة ــ كما يقال ــ خارج الصندوق للتعاطى مع مشكلات الفلاح الخدمية، لأن ذلك يسهم فى توفير المصرى لغذائه، ومن ثم الحد من التبعية للغير، وكذلك مواجهة هجرة الفلاح للأرض الزراعية، وتعرضها للبوار.