فى بعض الأحيان نؤمن بالسينما المصرية ومواقف الأشخاص فيها، يصيرون بمثابة نبراس لحياتنا وفى بعض الأحيان نشعر بالتقزز بأنها سينما تفتقد إلى الابتكار والإضافة، ولكن مهما كنا فإنها بمثابة الأم لثقافتنا وأفكارنا وإنه من المعيب أن نكره أمهاتنا أو نلصق بهذه السينما أى صفات سلبية.
فى أغلب مقالاتى هنا أركز على مسألة نقل قصص الأفلام والعالمية والروايات إلى الحواديت السينمائية المصرية، ولا شك أن الملل قد أصاب القارئ من كثرة التركيز على هذه النقطة، وفى هذه المرة أتوقف عند ظاهرة قديمة جديدة وهى تكرار موقف بعينه بالتفاصيل نفسها من فيلم لآخر وتحضرنى فى هذه المرة ثلاثة أفلام على الأقل هى:
بشرة خير إخراج حسن رمزى 1952
ورد الغرام إخراج بركات وبطولة محمد فوزى وليلى مراد
معبودة الجماهير إخراج حلمى رفلة 1967 بطولة عبدالحليم حافظ وشادية
الموقف الرئيسى هو أن هناك حبيبين بينهما مسافة اجتماعية واضحة، أى إن الحب أقوى من أى ظروف أخرى أو مكائد، وهناك دائما عزول يريد أو يسعى إلى فسخ العلاقة بين المحبين فيدبر المكيدة نفسها التى تتكرر فى الأفلام الثلاثة وغيرها، بمعنى أن هذا الشرير يستعين بامرأة هى ممثلة فى الغالب تأخذ معها بعض الأطفال وتذهب بهم إلى الحبيبة وتدعى أنها متزوجة من هذا الرجل وأنه تركها مريضة وحيدة مع ابنها، تشعر الحبيبة إما بالغضب على الحبيب أو تحس بالرثاء لهذه المرأة المسكينة وتكرر أن تفسخ علاقتها معه، وبالفعل فإن المكيدة تنجح وتصير القطيعة بين العاشقين حتى تتكشف الأمور بعد فترة ومرحلة صعبة للغاية.
كان العزول فى فيلم بركات هو نور الدمرداش وفى فيلم بشرة خير عبدالسلام النابلسى، وفى فيلم معبودة الجماهير يوسف شعبان، أما المرأة الممثلة فى فيلم ورد الغرام فهى سميحة أيوب وفى فيلم معبودة الجماهير نادية عزت وفى فيلم بشرة خير فهى زوزو شكيب، إذن فهو الموقف نفسه مع ثلاثة مخرجين تتبين اتجاهاتهم، هم بركات ورفلة ورمزى، وقد تتقارب الأمور فى الكتابة لكن جميعهم لجأ إلى حجة مستهلكة قديمة ومن الواضح أن أبطال أفلامنا لا يشاهدون السينما وبالتالى فكل واحدة منهن تصدق التمثيلية الكاذبة وتبدأ المتاعب.
ولا يقتصر الأمر على هذا وحدة بل إننا نرى أن الممثلين أنفسهم تسيطر عليهم هذه الأكاذيب ويتكرر وجودهم من فيلم لآخر مثل سليمان نجيب الذى قام بدور الأب فى بشرة خير وورد الغرام كما أن شادية تؤدى دور المحبوبة فى بشرة خير ومعبودة الجماهير، هما الفيلمان اللذان يفصل بينهما ثلاثة عشر عاما تقريبا، قد تكون فترة قصيرة أو طويلة لكن فى 1967 كان أغلب أبطال الفيلمين الآخرين قد غادروا العالم.
ما يؤرقنا هنا هو أن المخرجين ينقلون عن بعضهم تلك المواقف، وخاصة الحبكة الرئيسية فى الفيلم، أى إنه ليس هناك مكيدة بأى تفاصيل أخرى يراها المؤلف للفصل بين الزوجين، خاصة أن العزول يطمع فى ثروة والد الزوجة قبل الطمع فى شخصها، وللأسف فإن فيلم معبودة الجماهير مأخوذ عن رواية عن كاتب صحفى كبير هو مصطفى أمين، ولا شك أن هذا الكاتب المثقف قد شاهد الأفلام المذكورة وهو يكتب روايته، لكنه أيضا يفتقد الخيال ويكتب أعمالا ساذجة، أى إن مثل هؤلاء الكُتاب كانوا جهابذة فى العمل الصحفى وإدارة الصحف لكن أعمالهم تتوارى نحو الخلف إذا كانت روايات، ولا نحكم هنا على قيمة أعمال أى كاتب ولكن كل الكتاب نهشوا من بعضهم البعض وأنا أعرف تماما أن كل أستاذتنا النقاد لم يتوقفوا عند مثل هذه التشابهات فى كل ما كتبوه من نقد أو بحوث سينمائية.