مشروع قانون الأحوال الشخصية.. مفاجأة سارة - رانية فهمى - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشروع قانون الأحوال الشخصية.. مفاجأة سارة

نشر فى : الإثنين 8 أغسطس 2022 - 6:55 م | آخر تحديث : الإثنين 8 أغسطس 2022 - 6:55 م
قرأت مشروع قانون الأحوال الشخصية المُقدم من مؤسسة قضايا المرأة المصرية وبمقارنته بقوانين الأحوال الشخصية الحالية وجدته مفاجأة سارة لعدة أسباب:
أولا، العنوان الذى اختاره من وضعوا المشروع: «قانون أكثر عدالة للأسرة» يشير إلى السعى للوصول للممكن والأكثر عدالة ولم يقل قانونا عادلا للأسرة، مما يشير إلى معايشته لأرض الواقع الملىء بالتحديات والعقبات. ولفظ «الأسرة» شامل لأنه لم يقل مثلا أكثر عدالة للمرأة أو للمرأة والطفل/ة، ولأنه ضمنا من المفترض أن الأكثر عدالة للمرأة والطفل/ة سيعود بالفائدة على الأسرة كلها.
ثانيا: تجميعه لقوانين الأحوال الشخصية فى وثيقة واحدة بدلا من الكم الهائل من الأحكام المبعثرة فى عدة قوانين خاصة القانون رقم 100 لسنة 1985 المعدل لبعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية الواردة فى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، والقانون رقم 1 لسنة 2000 الخاص بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية. فالمشروع جمع القوانين كلها وقُسم لجزئين: شق موضوعى (تعديل لقانون رقم 100) وشق إجرائى (تعديل لقانون رقم 1).
ثالثا: اللغة المستخدمة؛ فقد حُذفت ألفاظ ولدت تشريعيا وباتت دارجة وشائعة على ألسنة الكافة وفى وجدانهم مثل طاعة الزوج، الخروج دون إذن الزوج، نشوز المرأة، ونفقة المتعة.
كما عكست اللغة فى مواضع كثيرة فى المشروع الاسم الذى اختاره من وضعوا المشروع: «قانون أكثر عدالة للأسرة» التى قوامها بالطبع المرأة والرجل، فأعيدت الصياغة فى مواضع كثيرة واستبدلت ألفاظ بأخرى لتضفى الصياغة العامة تقديرا واحتراما لمكانة المرأة فى الأسرة.
مثلا عند التطرق لأحد أسباب حرمان الزوجة من نفقة الزوجية استخدم القانون الحالى رقم 100 لسنة 1985 المعدل للقانون رقم 25 لسنة 1929 جملا مثل: «امتناع الزوجة عن طاعة الزوج دون حق» وتعريف القانون لـ«ممتنعة دون حق» هو: «إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها». والزوجة هنا تصبح «ناشزة» والبيت الذى يريد الزوج رجوعها إليه هو المعروف ببيت الطاعة. وبالرغم من إلغاء إجراءات إجبار المرأة على الرجوع لزوجها لبيت الطاعة والاكتفاء بحرمانها من النفقة، إلا أن هذه النصوص لا زالت قائمة فى القانون الحالى.
فلننظر للبديل فى مشروع القانون: «يُعتبر امتناع الزوجة عن العودة لمسكن الزوجية (حق) لها ما لم يتم تهيئة المسكن المناسب طبقا للحالة الاقتصادية والاجتماعية للزوجين». فبهذا النص أُلغى قانونيا بيت الطاعة.
استوقفنى أيضا استبدال ألفاظ بأخرى أبرزها مصطلح «نفقة المتعة» الذى استعيض عنه فى المشروع بـ«التعويض» لأن الأول كان يعطى مدلولا أن هناك نفقة يدفعها المطلق لمطلقته مقابل «المتعة الجنسية» أثناء الزواج، وهذا بالطبع ليس المقصود بكلمة «متعة»، فالكلمة معناها المقابل الذى يقدمه الزوج لزوجته عند طلاقها جبرا للضرر الذى وقع عليها من الطلاق. وبالتالى استبدال كلمة «متعة» بـ«تعويض» فى المشروع تعبيرا موفقا لأن التعويض فى القانون هو جبر الضرر.
• • •
رابعا: وهذه نقطة هامة جدا فى ظنى، هى التى لم تُذكر أصلا فى المشروع وكأن هناك إغفالا عمديا لأحكام معينة واردة فى قوانين الأحوال الشخصية مما يعنى استبعاد هذه الأحكام واستبدالها بأخرى تتماشى مع هدف المشروع العام وهو الوصول لمنظومة أكثر عدالة لكل أفراد الأسرة.
فقد أغفل المشروع الطلاق الرجعى الذى فيه يمكن الزوج رد طليقته أثناء فترة العدة فى أى وقت يختاره من غير موافقتها ومن غير عقد أو مهر جديدين وبالتالى تُعتبر المطلقة فى حكم الزوجة خلال هذه الفترة ويرث المطلق والمطلقة بعضهما إذا توفى أحدهما فى أشهر العدة ولا تحصل المطلقة على مؤخر الصداق إلا بعد انقضاء هذه المدة. فبالإلغاء الضمنى لهذا النوع من الطلاق تُلغى كل آثاره ويقتصر الطلاق فقط على الطلاق البائن بينونة صغرى والبائن بينونة كبرى.
والطلاق بينونة صغرى هو الطلاق الذى يلتزم فيه الزوج إذا رغب فى رد طليقته أن يكون ذلك بعقد ومهر جديدين وبعد موافقتها. والبينونة الكبرى هو الطلاق للمرة الثالثة من نفس الزوجة ولو رغب الزوج فى ردها فعليه أن يتزوجها مرة ثانية بعد انتهاء عدتها من زوج آخر تكون قد تزوجته زواجا صحيحا بنية الدوام وليس زواجا بغرض التحليل لكى تتزوج زوجها الأول.
ومن أكثر الأمور التى استوقفتنى فى الفقه الاسلامى والقانون المصرى ما يسمى بـ«الزواج النافذ غير اللازم» الذى فيه حق المرأة البكر، والثيب (غير البكر) فى تزويج نفسها بدون ولى، ولكن، وهنا التناقض الصارخ فى ظنى، لو تبين للولى العاصب أن زوجها غير
كفء لها اجتماعيا أو أن مهرها كان أقل من مهر من هى فى مكانتها الاجتماعية والمادية، فله الحق فى الاعتراض على عقد الزواج وطلب فسخه من المحكمة. بمعنى أن الزوجين بعد زواجهما أو استقرارهما فى حياتهما يأتى إليهما حكم محكمة بفسخ الزواج من ولى الزوجة! وهذا وفقا للمذهب الحنفى الذى أخذ به القانون المصرى، بالرغم من أن نفس المذهب هو الذى أعطى للزوجة الحق فى تزويج نفسها بدون ولى، فيبدو أن ما يمنح لها بيد يسُلب منها باليد الأخرى.
وبالرغم من عدم وجود نص فى قوانين الأحوال الشخصية المصرية بما يسمى بالزواج غير اللازم إلا أنه يوجد هذا التعريف وشرحه فى كتاب مادة الشريعة المقرر على طلبة حقوق جامعة القاهرة والتى تخرج آلاف الطلبة كل عام، ويوجد أيضا فى شكل فتوى دار الإفتاء تجيز ذلك نشرت فى 31 أغسطس 2019 على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وأحدثت هذه الفتوى جدلا مجتمعيا كبيرا حتى الآن.
عند قراءتى للمسودات العديدة لمشروع القانون لمؤسسة قضايا المرأة لم أجد أى ذكر لموضوع الزواج «غير اللازم» وبالتالى لا يوجد أى نص على حق الولى فى فسخ الزواج. فقد قصر المشروع تعريف الزواج على نوعين: صحيح وغير صحيح، وغير الصحيح والذى يشمل الفاسد والباطل. وعرف المقصود بالصحيح والفاسد والباطل وأغفل الزواج غير اللازم.
ومع سعادتى بهذا الإغفال بالنسبة لحق الولى فى فسخ الزواج، إلا أننى كنت أحب أن يكون هناك نص صريح على حق المرأة فى تزويج نفسها بدون ولى وألا يكون من حق الولى رفع دعوى فسخ عقد الزواج أيا كانت الأسباب.
• • •
خامسا: استحداث مواد ترسم حدودا أكثر وضوحا لدور الجهات المتخصصة فى مسائل الأسرة لتسهيل وتعجيل إجراءات التقاضى. من أبرز هذه الإجراءات هى اللجوء لمكاتب تسوية المنازعات الأسرية قبل رفع دعوى بشأن إحدى مسائل الأحوال الشخصية التى تختص بها محاكم الأسرة، والتى تتولى سماع أقوال أطراف النزاع وتبصيرهم بجوانبه المختلفة، وآثاره، وعواقب التمادى فيه وتسدى لهم النصح والإرشاد فى محاولة لتسويته وديا حفاظا على كيان الأسرة، ويجب أن تنتهى التسوية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب ولا يجوز تجاوز هذه المدة إلا باتفاق الخصوم.
والتساؤل هنا عن مدى فعالية هذه المكاتب وإذا كانت بالفعل تقوم بالتسوية وتسهيل الإجراءات أم الواقع الفعلى ينم على عدم جاهزيتها للقيام بهذا الدور الهام لنقص خبرة وكفاءة العاملين والعاملات بها وبالتالى لا يؤدى اللجوء إليها إلى تسوية النزاع وديا، ويجد أطراف النزاع أنفسهم فى حلقة مفرغة من الإجراءات القانونية.
وأتساءل أيضا عن قدرة محاكم الأسرة على استيعاب الكم الهائل من قضايا التطليق التى ستعرض أمامها فى حالة إقرار مشروع القانون الذى يُقصر الطلاق فقط أمام المحكمة.
وفى النهاية أظن أنه يجب أن يتواكب الإعداد لقانون أحوال شخصية شامل وجامع لكل الأحكام المنظمة لمسائل الأحوال الشخصية تهيئة وإعداد جميع المؤسسات القضائية المختصة للاضطلاع بدورها نحو منظومة أكثر عدالة للأسرة.
التعليقات