نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وائل مهدى نعرض منه ما يلى:
قد لا يريد الكثير تصديق أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مؤلمة لشركات النفط الصخرى، ولكن هذا هو الواقع بلغة الأرقام. والسبب فى ذلك أن أسعار النفط فى مستويات منخفضة لا تساعد الشركات الصغيرة على النمو وتحقيق الأرباح، ولا يوجد فى الأفق القريب ما يشجع على زيادة الأسعار إذا استمر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى حربه.
وبحسب تقرير صادر من شركة المحاماة «هاينس آند بون»، فإن العام الحالى 2019 شهد أعلى نسبة إفلاس لشركات النفط الصخرى منذ عام 2016 الكارثى على صناعة النفط. وخلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالى، أفلست 25 شركة نفط تعمل فى مجال النفط الصخرى، مقارنة بـ21 شركة خلال كامل عام 2018. ولا تزال هناك احتمالية بزيادة هذا العدد خلال الأشهر المتبقية من العام الحالى، ومع ذلك يظل عام 2016 هو الأسوأ بثمانية وخمسين شركة أفلست.
إن ما أنقذ كثيرا من الشركات فى السنوات الماضية وأسهم فى استمرارها فى الإنتاج، هو مساعدة الدائنين والمستثمرين الذين ضخوا أموالهم فى الصناعة لإبقائها حية، لأنهم فى الأصل استثمروا أو أقرضوهم مبالغ كبيرة ولا يريدون أن يخسروا كل ما وضعوه سابقا. لكن مع طول الأمد، لم تعد المصارف والمستثمرون يهبون بسهولة لإغاثة الشركات كما كان فى السابق.
وهناك جانب آخر أسهم فى إبقاء صناعة النفط الصخرى منتعشة ماديا، وهو أنه فى عامى 2015 و2016 عندما تهاوت أسعار النفط وبدأت قيمة وأسهم هذه الشركات فى الانحدار، دخل كثير من المستثمرين لاقتناص فرصة التقييم المنخفض وشراء أصول نفطية. وبحسب تقديرات صادرة من «بريكن داتا»، فإن الفترة بين 2014 و2016 شهدت دخول رءوس أموال خاصة بنحو 130 مليار دولار لشراء أصول نفطية فى صناعة النفط الصخرى. وكان الأوج فى عام 2015، حيث تم جمع 51 مليار دولار لشراء أصول نفطية.
ومعظم هؤلاء المستثمرين لديهم استراتيجية متشابهة، حيث يشترون الأصول وهى منخفضة، ويغيرون مجالس إدارات الشركات المنتجة لها ويتحكمون فى القرارات، ومن ثم يبحثون عن مشترين أو ضحايا جدد. لكن فى ظل سعر نفط عند 55 دولارا لخام غرب تكساس، فإن الشركات الصغيرة لا تستطيع البقاء طويلا.
ومثلما شهد العام الحالى إفلاس كثير من الشركات، فإنه شهد فى الوقت ذاته وصول الأموال التى تم جمعها للاستثمار إلى المستوى الأقل فى عشر سنوات. ففى عام 2009 وصلت المبالغ إلى 22 مليار دولار، وهى اليوم عند مستوى 8.3 مليار دولار، بحسب أرقام «بريكن»، وهذا أقل من ثلث المبالغ التى تم جمعها فى العام الماضى.
إذن هذا العام قد يكون الأسوأ منذ فترة ــ أو بداية فترة سيئة ــ لشركات النفط الصخرى من الناحية المالية، وللاستثمار فى قطاع النفط والغاز فى الولايات المتحدة بشكل عام. وفى ظل الظروف الراهنة سيكون من الصعب على المستثمرين الدخول فى أى استثمار نفطى إذا ظلت أسعار النفط منخفضة بهذا الشكل. وهو ما يجعلنى أتساءل: إلى متى ستظل شركات النفط الصخرى مستمرة فى النضال مع أسعار نفط منخفضة؟ لقد قامت هذه الشركات بكل الجهود لجعل قوائمها المالية مشرقة أمام المستثمرين من خلال تقليص النفقات... ولكن هذا لم يعد يكفى.
المشكلة هى أن تمويل النفط والغاز فى المستقبل خارج الولايات المتحدة يتراجع مع عزوف صناديق سيادية وجهات دولية مثل البنك الدولى عن الدخول فى مشاريع هيدروكربونية. ولا يوجد حل لإنعاش شركات النفط الصخرى ماليا سوى الاعتماد على جهود تحالف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مع المنتجين المستقلين. لكن مشكلة التحالف أن روسيا لا تحب أن ترى «عدوها القديم» (أمريكا) يشهد نموا فى إنتاجه النفطى على حساب إنتاجها، ولهذا فإن روسيا تريد أسعارا أفضل؛ ولكن ليس فى مستوى يساعد النفط الصخرى الأمريكى على النمو وغزو الأسواق الدولية، وهو ما يجعل احتمالية تحرك روسيا بشكل كبير مع التحالف لدعم الأسعار أمرا لا يمكن الاعتماد عليه تلقائيا، لأن روسيا نفسها تستطيع موازنة ميزانيتها بأسعار فى مستوى الأربعينات من الدولارات.