قد أكون آخر من يتحدث فى هذا الموضوع، فلست على علم دقيق أو معرفة فقهية بشعائر الحج، ولكن لفت انتباهى أن يكون الحج الذى قام به كل من رئيس الوزراء ووزير الداخلية محل اهتمام إعلامى إلى الحد الذى تثور فيه نقاشات حول صحة أو خطأ ما قاما به فى ظل تضارب الفتاوى والآراء.
بصرف النظر عن الرأى الفقهى من المسألة برمتها، فإن ما حدث يثبت عدة مثالب فى الحياة العامة كثيرا ما نتحدث عنها، ويظن البعض أننا تخلصنا منها، فى حين أنها راسخة مستقرة.
أولا: مصر دولة «مدنية»، كما يقال، وقامت ثورة 30 يونيو خوفا على هوية هذه الدولة، فهل من التقاليد المدنية للدولة أن تصبح علاقة المرء بربه، أيا كان المرء، وزيرا أو غفيرا، محل تناول إعلامى مكثف؟ حج رئيس الوزراء ووزير الداخلية صحيح أم خطأ، تبعة الأعمال تقع على عاتق صاحبها، ولا شأن للإعلام فى ذلك.
ثانيا: عرج الحديث إلى «المال العام»، وقال أحدهم إن ما حدث «إهدار للمال العام»، لأن رئيس الوزراء ووزير الداخلية سافرا على نفقة الدولة، وبالتالى عدم إتمام شعيرة الحج- المدفوعة من مال الشعب- على النحو الصحيح، يمثل فى ذاته إهدارا للمال العام. هذا كلام جدى وليس دعابة أو فكاهة، وكم من المضحكات المبكيات فى الحياة المصرية. نحن لا نعرف من أنفق على المسئولين الحكوميين، وإن كنت أظن أن المسألة لا علاقة لها بالمال العام.
ثالثا: نشر فى الصحف أن رئيس الوزراء إبراهيم محلب اتصل بالدكتور أحمد كريمة، الذى أفتى بعدم صحة الحج الذى قام به، شارحا له الموقف، وما أن تبين كريمة الرشد من الغى، الصواب من الخطأ، حتى أعاد الافتاء مرة أخرى بأن حجة رئيس الوزراء صحيحة. هل كان رئيس الوزراء بحاجة إلى «صك براءة»، وهو الذى قال قبل يومين من الاتصال المذكور أن هذه مسألة بينى وبين ربى لا دخل لأحد بها.
ما بين ما نشر فى الصحف، وما تناولته مواقع التواصل الاجتماعى يظهر أن المجتمع المصرى مازال متطفلا مراهقا يدس أنفه فيما لا يعنيه، ولاسيما أن ما يتحدث عنه شىء خاص بين إنسان وخالقه. وكنت أتمنى أن يخرج رئيس الوزراء من هذه الدائرة، ولا يجيب عن سؤال بهذا الشأن، ولا يدافع عن نفسه، ولا يجرى اتصالات بمشايخ ليوضح موقفه، لأنه بذلك رضخ لحالة الابتزاز الدينى التى يعانى منها المجتمع، واتجه لتبرير موقفه، الذى لم يعجب أحدا، وكأنه متهم، يريد أن يكون فى عيون الناس بريئا.
المدنية، الحرية، الديمقراطية، ثقافة المدينة فى مواجهة الثقافة الريفية، جميعها قيم نتحدث عنها، ونتباهى بها، لكن المجتمع لا يطبقها، بل على العكس يفعل النقيض، ونحن له راضخون، مستسلمون، وقديما قال أحد العلماء إن العرب يخشون الفضيحة ولا يخشون الرذيلة، يخشون الشعور بالعار ولا يقلقهم الشعور بالذنب، وجميعها تعنى أمرا واحدا «رأى الناس» أقوى أحيانا من «رأى الإله».