الظاهر حتى الآن أن الأحزاب السياسية تشارك فى الانتخابات البرلمانية التى بدأت الدعاية الانتخابية لها منذ ثلاثة أيام. نحو 38 حزبا تشارك فى الانتخابات، ثلث هذه الأحزاب آثر المشاركة عبر القوائم، وبعض هؤلاء انطلق من القوائم إلى الفردى. لكن رغم هذا يبقى السؤال: هل تعود الأحزاب السياسية من نافذة الانتخابات؟
هناك إجماع على أن الأحزاب السياسية المصرية منذ نشأتها الثالثة فى 11 نوفمبر 1976، ما زالت تحبو مكانها، بل إنها تراجعت كثيرا عن أداء مهامها، فالوفد والتجمع على سبيل المثال لم يعودا كما كانا. والأحرار والعمل اللذان نشآ عامى 1976 و1978 على التوالى اختفيا من المشهد الحزبى. حتى القضايا الكثيرة التى كانت محل جدل كبير بين الأحزاب اختفت. فموضوعات مثل الدعم والتطبيع والحريات والقطاع العام والاكتفاء الذاتى من القمح.. إلخ، كلها كانت محل جدل فى الشارع بسبب الأحزاب وتعاطى السلطة معها. لكن كيف أصبح الحال اليوم.
كثرت الأحزاب وأصبح عددها يناهز الـ 100 حزب، وهى إشارة لوجود مشكلة أو أسباب غير مفهومة لتأسيس هذا العدد الكبير من الأحزاب، لأنه من المستحيل أن يكون الوطن يعانى من 100 قضية، أو أن هناك 100 موضوع مختلف عليها لتأسيس هذا الكم كله، فمصر بها أربعة تيارات سياسية فقط الليبرالى واليسارى والإسلامى والوسط، إذن ما هو سبب وجود هذا العدد الهائل من الأحزاب، خاصة وأنه لا يترجم بشعبية أو عضوية، إذ ما زال أكثر من 95% من الشعب المصرى تقريبا من المستقلين، ما يجعل هناك وضع غامض حول جدوى كل هذه الأحزاب، البعيدة عن الشارع وقضايا الناس.
المؤكد أن للأحزاب السياسية مشاكل من خارجها سببت أزمتها منها على سبيل المثال عدم وجود ما يشجعها على التواجد بين الناس وعلى رأس ذلك عقد الانتخابات بالنظام الأغلبى عبر أسلوبى القوائم المطلقة والفردى (50%+1)، لكن المؤكد أيضا أن هناك مشاكل داخلية تعانى منها الأحزاب السياسية وعلى رأسها غياب الهياكل الحزبية فى أغلب الأحزاب، وعدم وجود رقابة محاسبية ومالية، وغياب الديمقراطية الداخلية التى تستصرخ بها الأحزاب السلطة التنفيذية، وبالطبع غياب التواجد بين الجماهير فى الشارع لصالح ترك الساحة للغير، فى كثير من الجوانب كانت سياسات رسمية قبل 30 يونيو 2013 مسئولة عن تواجد الإخوان المسلمين فى الشارع، لكن الأحزاب السياسية أيضا كانت مسئولة هى الأخرى عن إخلاء الساحة للإخوان للعبث بوجدان وعواطف الناس.
واحد من أهم سبل عودة الأحزاب السياسية هو الانغماس فى مشاكل الناس، فأزمات الغذاء والبطالة والدواء والتعليم والصحة وغيرها كلها مشكلات كان للأحزاب أن تشارك الدولة والمجتمع فى حلها، مهم أيضا الوجود الجهوى فى المحافظات المختلفة، وعقد الهياكل التنظيمية بشكل دورى، وتأسيس لوائح جديدة للفصل فى المشكلات الداخلية وديمقراطية القرار وتداول السلطة. إضافة إلى كل ما سبق فإن منح الدولة لحوافز للأحزاب التى تستطيع التمثيل بعدد معين فى البرلمان وفى مجلس الشيوخ وفى المجالس المحلية بعد عودتها، يعتبر واحدا أيضا من وسائل تشجيع الدولة على استعادة الأحزاب لنشاطها. لكن تبقى العودة لنظام القوائم الحزبية النسبية أهم ما يمكن أن يتخذ من قبل الدولة لدعم الأحزاب، فهذا النظام سيجبر المستقلين على الانضمام للأحزاب لخوض الانتخابات، وهو أيضا يجعلها ممثلة بنسبة ما تحصل عليه من أصوات، بدلا من أن تسطو القوائم التى تحصل على 51% على نسبة الـ 49% الباقية. وأيضا تنهى القوائم الحزبية النسبية أى أمل للإخوان فى العودة إلى البرلمان، كما أن هذا الأسلوب إضافة إلى كونه يقضى على النعرات العصبية والدينية والرشاوى إبان الانتخابات، فهو أيضا يجعل البرلمان متميزا، لأنه سيهتم بالسياسات العامة، عوضا عن اهتمامه بالسياسات الجهوية المرتبط بأبناء الدائرة دون سواهم.
خلاصة القول إن هناك حاجة ماسة للتفكير الجدى فى استعادة الأحزاب المصرية لنشاطها، واستثمار وجودها لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعتقد أن هذا الأمر يمكن أن يكون أحد مهام البرلمان القادم، إلى جانب باقى مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية.