نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب يرى فيه أن خسارة الحزب الديمقراطى فى انتخابات ولاية فرجينيا جعلت إيران تسارع فى تحديد موعد للذهاب إلى مفاوضات فيينا النووية، فالخسارة وتهاوى شعبية بايدن تنذر بعودة الحزب الجمهورى مرة أخرى، وفى حين كان التوصل لاتفاق نووى مع بايدن صعبا، سيكون مستحيلا إذا عاد الحزب الجمهورى وعلى رأسه ترامب إلى السلطة... نعرض منه ما يلى. قد لا يكون ثمة علاقة مباشرة بين الهزيمة القاسية التى تلقاها الديموقراطيون، فى انتخابات حاكمية ولاية فرجينيا الأمريكية، التى انعقد فيها الفوز للجمهورى جلين يونجكين المدعوم من دونالد ترامب، ومسارعة إيران فى اليوم التالى إلى تحديد التاسع والعشرين من نوفمبر الجارى، موعدا للذهاب إلى مفاوضات فيينا النووية، بعد ثلاثة أشهر ونيف من التمنع.
معظم التحليلات التى صدرت عقب انتخابات فرجينيا، الثلاثاء الماضى، صبّت فى اتجاه واحد، ألا وهو أن الرصيد الكبير الذى توّجهُ الديموقراطيون بدخول جو بايدن إلى البيت الأبيض بأعلى نسبة من الأصوات يحوز عليها رئيس أمريكى، قد تبدد بعد تلقيه سلسلة من الضربات فى الأشهر العشرة الأخيرة، والتى بدأت من الانسحاب المذل من أفغانستان، إلى إخفاقه فى إنهاء الانقسام بين الأمريكيين، إلى عودة إصابات كورونا إلى الارتفاع، مضافا إليها ارتفاع أسعار الوقود على أبواب الشتاء، إلى انتقال الخلافات إلى داخل الحزب الديموقراطى فى الكونجرس حول خطة الاستثمار فى البنى التحتية التى أعدها بايدن لتكون علامة تاريخية لرئاسته بكلفتها البالغة أكثر من 3 تريليونات دولار، بينما لم يحصد الأمريكيون أى ثمار للحرب الباردة مع الصين، إلا إذا دخل فى الحسبان صفقة الغواصات لأستراليا، والتى أتت على حساب العلاقات التاريخية مع فرنسا.
هذه الإخفاقات هوت بشعبية بايدن إلى مستوى قياسى، وكانت ترجمتها العملية فى خسارة فرجينيا بعد ثمانية أعوام من سيطرة الديموقراطيين عليها، بينما بالكاد فاز حاكم ولاية نيوجيرسى المنتهية ولايته الديموقراطى فيل مورفى، الأربعاء الماضى، بولاية ثانية، بفارق 20 ألف صوت فقط أمام منافسه الجمهورى جاك تشيتاريللى، بيد أن الفوز فى نيوجيرسى لا يعوّض خسارة فرجينيا.
بالمقابل، أنعشت فرجينيا آمال الجمهوريين بالفوز فى انتخابات منتصف الولاية بعد عام من الآن وانتزاع السيطرة مجددا على مجلسى النواب والشيوخ، مما يمكنهم من جعل بايدن «بطة عرجاء» فى السنتين المتبقيتين له فى البيت الأبيض، وتاليا تمهيد الطريق للعودة إلى البيت الأبيض. ولا يوجد مرشح لهم حتى الآن سوى ترامب، الذى لا يزال يمسك بتلابيب الحزب الجمهورى، ويحظى بتأييد 70 فى المائة من قاعدته.
•••
فهل التقطت طهران رسالة فرجينيا، حتى عمدت إلى ضرب موعد فى فيينا؟ قد يكون ذلك تفسيرا مقبولا إذا انطلقنا من فرضية أن طهران لا تزال راغبة بترميم اتفاق 2015، واستطرادا يقع فى نطاق حساباتها أن التوصل إلى تسوية ما، مع بايدن، مسألةٌ بالغة الصعوبة، أما إذا عاد الجمهوريون إلى البيت الأبيض، وخصوصا إذا بقى ترامب مرشحهم الوحيد، فإن التسوية ستكون مستحيلة، وبناء على هذا الاستنتاج كان لا بد من العودة إلى فيينا.
وأتاحت استراحة الأشهر الثلاثة لطهران من لحظة تولى إبراهيم رئيسى منصبه فى الأسبوع الأول من أغسطس، عودة الإيرانيين هذه المرة إلى فيينا، وفى جعبتهم 210 كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 فى المائة، و25 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 فى المائة، وفق الناطق باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندى، يوم الخميس الماضى. وهذا ما يقربها أكثر من «العتبة النووية». وسبق ذلك بيوم واحد الإعلان عن «مواجهة» فى بحر عُمان بين زوارق إيرانية وبارجة أمريكية. وبدا ذلك، وكأنه ردٌ على إعلان الولايات المتحدة عن دورية استراتيجية لقاذفة «بى ــ بى1 لانسر» فوق مضيق هرمز وعن مواكبة مقاتلات من السعودية ومصر والبحرين وإسرائيل للقاذفة لدى تحليقها فى أجواء الشرق الأوسط. وقبل ذلك بيومين، تعرضت قاعدة التنف الأمريكية فى سوريا لهجوم بمسيرات مفخخة.
وفى خضم عروض القوة المتبادلة، فإن الكلام الأمريكى فى الآونة الأخيرة كان أكثر حدة فى ما يتعلق بإيران، وبدأ التلميح يزداد إلى ضرورة البحث عن «خيارات بديلة» إذا ما أخفقت مفاوضات فيينا. وبدأت واشنطن حملة دبلوماسية فى اتجاه فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبى، لحملها على ممارسة المزيد من الضغوط على إيران. وأتى البيان الرباعى الأمريكى ــ الفرنسى ــ البريطانى ــ الألمانى على هامش قمة مجموعة العشرين فى روما، الأسبوع الماضى، ليؤكد هذا المنحى.
•••
وفى سياق الضغوط، لا يمكن إغفال إسرائيل التى استأنفت تدريبات سلاحها الجوى على قصف أهداف داخل إيران والمناورات الجوية التى شاركت فيها سبع دول فى صحراء النقب أواخر الشهر الماضى، فضلا عن تزايد الحديث عن تزويد الولايات المتحدة إسرائيل بقنابل جديدة قادرة على خرق تحصينات تحت الأرض، أكثر قوة من تلك التى استخدمتها إسرائيل فى حرب مايو الأخيرة ضد الأنفاق فى قطاع غزة.
وفى سياق التحسب لما يمكن أن يلى ضربة إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، أجرت قيادة الجبهة الداخلية فى أنحاء إسرائيل تمرينا لمدة أسبوع على احتمال نشوب حربٍ شاملةٍ، يطلق خلالها حزب الله ألفى صاروخ يوميا على أهداف إسرائيلية. كما شارك للمرة الأولى لواء «جفعاتى» للمشاة بكامله فى تدريبات بشمال إسرائيل. وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلى نفتالى بينيت إلى قمة جلاسكو للمناخ للحديث مع قادة العالم عن إيران أكثر من الحديث فى موضوع القمة نفسها.
التصعيد الأمريكى خرقته رسالة مرنة، عندما أعلنت واشنطن أن المبعوث الأمريكى للشئون الإيرانية روبرت مالى، سيترأس الوفد إلى المفاوضات غير المباشرة فى فيينا. وفى السابق، تولت ويندى شيرمان هذه المهمة. وسبق لمالى أن لعبت دورا رئيسيا فى اتفاق العام 2015، فهل أتى التغيير بمثابة إشارة تطمين لإيران، أم أنه تعبير عن جدية أمريكية بالتوصل إلى تسوية، وتجنب انهيار آخر فى المنطقة بعد كارثة أفغانستان؟
فى وضع بالغ التعقيد يتطلب سيرا على حبل مشدود، تقرأ إيران بقلق بعض التطورات الإقليمية، كتلك التى أفرزتها صناديق الاقتراع فى العراق، والتى أتت كرسالة غير مطمئنة على الصعيد الشعبى، على الرغم أنه من الصعب تجاوز دورها عندما يأتى الحديث الجدى عن المكونات التى ستضمها الحكومة المقبلة. وبعد هدوء استمر أربعة أشهر، عادت الصواريخ لتسقط قرب السفارة الأمريكية فى المنطقة الخضراء «المطوقة» من «الحشد الشعبى» احتجاجا على نتائج الانتخابات البرلمانية التى منى فيها بخسائر كبيرة.
وفى مخاض التطورات المتتالية فى المنطقة، لا يبدو أن المفاوضات السعودية ــ الإيرانية على ما يرام، الأمر الذى انعكس تصعيدا فى لبنان المنهار أصلا. وهذا ما يعيد الأنظار لتتركز على طاولة فيينا وعلى ما يمكن أن تسفر عنه من رسم جديد لخرائط المنطقة.. وللاتفاق ثمن وكذلك للفشل ثمن.
وعلى وقع اختلاط رسائل فرجينيا مع تسارع الأحداث فى ساحات بيروت وبغداد ومأرب، اختارت إيران توقيت العودة إلى فيينا.
النص الأصلى