والمعلمة، هى السيدة آية يوسف والتى تعمل مدرسة لغة عربية «متطوعة» بإحدى مدارس محافظة الدقهلية، وهى متزوجة ــ كانت حتى إشعار آخر ــ وأم لثلاثة أطفال، وهى أيضا صاحبة مقطع الفيديو الشهير الذى أثار عاصفة من الجدل خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعى.
مارست هذه السيدة حقها فى التنزه، وذهبت إلى رحلة نيلية برفقة أصدقائها المعلمين والمعلمات خارج أوقات العمل الرسمية، وخلال الرحلة قامت بما يقوم به العديد من المصريين عندما يبتعدون عن ضغوط العمل والمنزل، فرقصت فى الهواء الطلق وأمام جمع من الناس وليس فى غرفة مغلقة، مرتدية الملابس التى اعتادتها ولم ترتد «بدلة رقص ولا قميص نوم»، واعتقدت أنها حرة وأن من حقها أن تمارس تلك الحرية طالما لم تضر أحدًا أو تعتد على حقوق أحد ولم تخالف القانون.
و«اللص» فهو ذلك الشخص الذى تتبعها واقتنص بكاميرا هاتفه المحمول ذلك المقطع، ونشره دون إذنها على مواقع التواصل الاجتماعى، مرتكبا جريمة يعاقب عليها القانون، فتسبب فى إيذاء تلك المعلمة التى قررت مديرية التربية والتعليم بالدقهلية فصلها من عملها، وقرر زوجها الانفصال عنها هربا من «الفضائح» ونظرات الاستهجان التى لاحقته وسط معارفه.
أما الجلاد، فهو ليس واحدا، بل هم شريحة معتبرة فى هذا المجتمع، نصبوا من أنفسهم حراسا للفضيلة وأمناء على الدين وحماة للشرف وأوصياء على عادات المجتمع وتقاليده، وإذا كان اللص الذى اقتنص مقطع فيديو المُعلمة وهى ترقص قد أخطأ خطأ واحدا باختراق خصوصيتها ونشر ما يخصها دون علمها، فهؤلاء أخطأوا ألف مرة عندما أعادوا نشر المقطع المصور على صفحاتهم مصحوبا بمفردات الهمز واللمز والتحقير والازدراء.
فيديو آية وتداعياته كاشف للأزمة التى يمر بها مجتمع «السوشيال ميديا»، فقبل هذا الفيديو وبعده سيظل العديد من بنات هذا البلد وأبنائه ونسائه ورجاله يرقصون ويتمايلون ويغنون وينشدون فى الأفراح وغيرها من مناسبات اجتماعية.
يدعى هؤلاء الأوصياء أن آية خالفت الثقافة السائدة وخرجت عن أعراف وتقاليد المجتمع المصرى، واتهمومها بأنها انتهكت «قداسة» مهنتها كمربية، عن أى ثقافة وتقاليد وأعراف يتحدث هؤلاء، هل هى تقاليد الريف أم الحضر، أعراف الصعيد أم الدلتا أم العاصمة، الأحياء الغنية أم الفقيرة، ثقافة المتعلمين الجامعيين المثقفين أم الأُميين، لكل فئة ثقافتها، وداخل كل طبقة هناك تقاليد وأعراف متباينة، فإلى أى ميزان قيمى نحتكم ما هى «المازورة» التى نقيس عليها؟.
جلادو «السوشيال ميديا» أدعياء الفضيلة والشرف، يتستر كل منهم خلف شخصية مصنوعة رسم هو ملامحها وصدرها للناس عبر ما ينشره على حسابه من حكم ووصايا مدعاة، وبعضهم لو ظهر وجهه الآخر وانفضح ستره وانكشفت خطاياه التى يرتكبها سرا لسقط جلد وجهه، إلا أصحاب الجلود السميكة فهؤلاء قادرون على تغيير جلودهم وتبديل وجوههم.
تابعت تعليقات بعض هؤلاء الأدعياء، وقارنت بين ما يحاولون تصديره للآخرين من تمسك بالفضيلة والدين، وبين تاريخهم الملىء بالنفاق والزيف وشهادة الزور ومداهنة أهل السلطة والمال. هلل بعض هؤلاء لرقص السيدات على أنغام أغانى المهرجانات أمام لجان الاستفتاءات والانتخابات، وبعضهم استمات فى الدفاع عن بطش بعض رجال السلطة وفساد بعض رجال أعمال، أملا فى نيل رضا أصحاب السيادة والسعادة.
هؤلاء المزيفون الذين وصموا تلك المعلمة بالعديد من الألفاظ التى يعاقب عليها القانون جعلوا من أنفسهم قضاة وأنزلوا أحكامهم عليها، فخربوا بيتها، ودفعوها إلى التفكير فى «الانتحار» بعد أن هجرها زوجها وفُضحت أمام أطفالها وأقاربها.
لم يكتف هؤلاء بملاحقة تلك المعلمة، بل هاجم بعضهم الفريق الذى تعاطف معها إنسانيا واختار أن يدافع عن حريتها الشخصية وحقها فى الستر الذى يحفظ بيتها وحياتها، ووصفوهم بـ«الدياثة» والترويج لـ«الفُحش»، أخطأ هؤلاء الأوصياء فى حق السيدة وحق المدافعين عنها وحق الله الذى أمرنا بالستر والإعراض عن اللغو.
حق هذه المعلمة على الدولة التى من المفترض نظريا أنها راعية للحقوق والحريات الشخصية، أما هؤلاء الأدعياء الأوصياء المزيفون فلا نقول لهم سوى «لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين».