المغامرة السورية.. حبل نجاة لأردوغان - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 3:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المغامرة السورية.. حبل نجاة لأردوغان

نشر فى : الإثنين 9 يناير 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : الإثنين 9 يناير 2023 - 7:40 م
نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب تناول فيه أن الضغوط الاقتصادية والسياسية التى يواجهها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان حاليا سبب فى التغيير الذى طرأ على سياساته مع سوريا، فمن أحد أسباب اللجوء للمصالحة مع نظام الأسد محاولة ضمان عدم حصول الأكراد على حكم ذاتى فى أى تسوية نهائية للنزاع السورى... نعرض من المقال ما يلى.
يتصرف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وكأن سوريا هى حبل النجاة له. الانفتاح على دمشق وليد مصلحة أكثر منه نتيجة ضغوط روسية، أو مناورة يراد منها إرغام الولايات المتحدة على تغيير سياستها حيال أكراد سوريا.
فى خلفية قرار أردوغان يقبع اقتناع متزايد بأن الوضع الاقتصادى الذى أتى بحزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، يمكن أن يكتب نهاية ما ينوف على عشرين عاما أو يزيد، من وجود هذا الحزب على رأس السلطة.. والمؤشرات الاقتصادية لا تصب فى مصلحة أردوغان فى ظل تدهور متواصل لليرة التركية فى مقابل الدولار وارتفاع مستمر للتضخم، بينما يعاند الرئيس التركى ويرفض رفع معدل الفائدة على غرار ما تفعل كل الدول عندما تمر بظروف مشابهة. وهو لا يزال يطلب من الأتراك قليلا من الصبر، حتى تأتى الإجراءات الاقتصادية التى يتخذها أكلها.
بيد أن الوقت هذه المرة ضاغط أكثر من أى مرة أخرى. طبعا ليس الاقتصاد وحده ما يؤرق أردوغان. هناك التنسيق الذى بدأ فعلا بين ستة أحزاب معارضة رئيسية لوضع خريطة طريق تقضى بتوحيد قواها لدعم مرشح واحد فى مواجهة أردوغان فى انتخابات الثامن عشر من يونيو المقبل. وكشف استطلاع أجرته مؤسسة «متروبول» للأبحاث الشهر الماضى، أن أردوغان سيخسر الانتخابات إذا جمعته مع أحد أربعة من أبرز مرشحى المعارضة المحتملين وهم: رئيس بلدية إسطنبول إمام أكرم أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهورى كمال كليتشيدار، رئيسة حزب «أيى» (الجيد) ميرال أكشنار ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش.
وبات الملف السورى ولا سيما قضية اللاجئين، ورقة رابحة فى يد المعارضة التركية التى تعيد أسباب المتاعب الاقتصادية التى تعانيها تركيا، إلى سياسة العداء التى انتهجها أردوغان حيال دمشق، ولدعمه الحل العسكرى طوال سنوات، بينما تميزت سنوات الازدهار التى عرفها الأتراك بالعلاقات الدافئة، سياسيا واقتصاديا، بين أنقرة ودمشق.
المعارضة التركية تقول إن هذه السياسة هى التى تسببت بتدفق نحو أربعة ملايين لاجئ سورى إلى تركيا، فضلا عن أن الفوضى التى وقعت فيها سوريا نتيجة الحرب هى التى جعلت «وحدات حماية الشعب» الكردية تبرز كـ«كيان» على الجهة المقابلة للحدود الجنوبية لتركيا. وعندما يتحدث أردوغان عن الانفتاح على سوريا، فإن ملفى اللاجئين والنفوذ الكردى فى شمال شرق سوريا، هما على رأس أولوياته. ومن دون معالجة هذين الملفين، فإن الطريق إلى ولاية رئاسية ثالثة ستكون وعرة للغاية.
• • •
التحول الذى بدأ يطرأ على سياسة أردوغان منذ الصيف الماضى حيال سوريا، على عكس الاعتقاد الشائع، لم يكن فى سياق الاستجابة لضغوط الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. هذه الضغوط كانت موجودة منذ سنوات، وبوتين كان قبل حرب أوكرانيا فى موقع أقوى فى سوريا مما هو عليه الآن، ومع ذلك فإن أقصى ما حصل عليه من أردوغان كان تفاهمات «خفض التصعيد» فى إطار «منصة أستانة» الثلاثية التى جمعت إيران أيضا. ثم كانت تفاهمات سوتشى فى 2019 التى بقيت حبرا على ورق، ولم يلتزم الجانب التركى بكبح جماح «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا) التى تسيطر على أكثر من نصف مساحة محافظة إدلب ولها مواقع فى أرياف حلب وحماة واللاذقية، وتاليا بقى الطريق السريع الاستراتيجى «M4» الذى يصل حلب باللاذقية وجنوب سوريا، مقفلا.
طبعا، يستخدم أردوغان روسيا اليوم بوابة عبور إلى دمشق. وربما ليقين تولد لديه بأن عملية الانفتاح التى بدأها قبل سنوات على الدول الإقليمية من الخليج إلى مصر وإسرائيل لن تكتمل من دون إنهاء حالة العداء مع سوريا. هذا الانفتاح الأردوغانى رافقه تخلٍ من قبل أنقرة عن دعم المشروع «الإخوانى» فى المنطقة والذى كان سببا فى عام 2011 فى تدهور العلاقات مع سوريا ومن ثم مع مصر عام 2013 ومع معظم دول الخليج العربية.
التنازل الكبير الذى قدمته تركيا فى مسيرة الانفتاح والمصالحة مع الإقليم كان التخلى عن دعم الإسلام السياسى فى المنطقة العربية، كما جرى فى ما سمى بـ«الربيع العربى» الذى سرعان ما تحول حروبا أهلية، أكثر منه باعثا على الإصلاح والتغيير والانتقال إلى الحكم الديموقراطى.
فجأة تذكر أردوغان أن «لا عداوة دائمة فى السياسة»، ردا على سؤال عن أسباب الانفتاح على سوريا. كان يمكن أن يحصل هذا التطور قبل سنوات، لماذا الآن؟
• • •
أن يغامر أردوغان فى هذا التوقيت بإضافة بند إلى لائحة طويلة من التوترات مع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، تعنى أن الرجل قد رأى أن الطريق لبقائه على قيد الحياة سياسيا، تمر بدمشق. ولم تتأخر واشنطن فى القول علنا إنها «لا تدعم» التطبيع مع سوريا من أى جهة أتت. ولوحت بأن «قانون قيصر» المطبق على سوريا، ستنال مفاعيله الدول التى تتعامل مع دمشق. والضغوط الأمريكية كما بات معروفا هى التى حالت فى اللحظة الأخيرة، دون دعوة سوريا إلى القمة العربية فى الجزائر فى مطلع نوفمبر الماضى.
لكن للتهويل الأمريكى على تركيا حدودا. ذلك أنه لا يمكن لواشنطن أن تعرض علاقتها الاستراتيجية مع تركيا للخطر، فى وقت تخوض فيه مواجهة واسعة مع روسيا. وأنقرة هى مُزوّد رئيسى لكييف بالطائرات المُسيّرة التى لعبت دورا حاسما فى تقرير نتائج القتال على الأرض لمصلحة الجيش الأوكرانى، كما أن تركيا تقيم علاقات تجارية وطيدة مع أوكرانيا. وكلما تحدث أردوغان مع بوتين يتصل فى اليوم التالى بالرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى. وقد لعب الرئيس التركى دورا محوريا فى التوصل إلى اتفاق الحبوب فى أغسطس الماضى، كما أنه طبّق معاهدة مونترو بالنسبة إلى عدم السماح بمرور السفن الحربية الروسية عبر مضائق الدردنيل إلى البحر الأسود، كما منع الطائرات العسكرية الروسية من عبور الأجواء التركية فى طريقها من وإلى سوريا. أى أن أردغان يسعى إلى الاضطلاع بدور متوازن فى النزاع الأوكرانى، ولا يزال يطمح فى استضافة مفاوضات سلام بين موسكو وأوكرانيا، على غرار ما فعل فى الأشهر الأولى للحرب.
أضف إلى ذلك، لن تذهب أمريكا بعيدا فى الضغط على أردوغان كى يوقف خطوات التطبيع مع سوريا، لأن البرلمان التركى لم يصادق بعد على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسى. وعملية الانضمام ينظر إليها بايدن كنصر جيوسياسى كبير فى مواجهة روسيا ولا يريد إفساد هذه العملية التى تتوقف الآن على البرلمان التركى.
فضلا عن ذلك، ليس فى استطاعة واشنطن تقديم الثمن السياسى الكبير الذى يطالب به أردوغان، من أجل عدم الانفتاح على دمشق. وهذا الثمن يتضمن ضوءا أخضر أمريكيا لعملية عسكرية تركية واسعة ضد «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) التى يشكل الأكراد ركيزتها الأساسية فى شمال شرق سوريا.
• • •
وعلى العكس، فإن الانفتاح على سوريا يوفر لأنقرة ضمانة بأن لا يحصل الأكراد على حكم ذاتى فى أى تسوية نهائية للنزاع السورى. تبقى مشكلة أردوغان الآن مع المعارضة السورية، التى برزت من داخلها أصوات تنتقد علنا التطبيع مع دمشق، بعدما اتضح لقادتها عقب الاجتماع الثلاثى بين وزراء الدفاع الروسى سيرجى شويجو والتركى خلوصى أكار والسورى على محمود عباس فى موسكو فى 28 ديسمبر، أن تركيا جدية فى تغيير سياستها التى اتبعتها منذ أكثر من عقد حيال سوريا.
وأكثر من التوتر مع أمريكا، فإن المعضلة الأكبر التى ستواجه تركيا هى كيفية التعامل مع «إمارة» تنظيم «هيئة تحرير الشام» بزعامة محمد الجولانى، الذى لم يخف معارضته القوية لخطوات أنقرة. وتشهد مدن وبلدات فى محافظة إدلب وريف حلب تظاهرات تطالب تركيا بعدم المضى فى المصالحة مع دمشق.
وكما أثّرت الحرب السورية سلبا على اقتصادات لبنان والأردن والعراق وتركيا، فإن التطبيع التركى ــ السورى إذا ما بلغ النهايات السعيدة، قد يعيد رسم المشهد الجيوسياسى فى المنطقة برمته. إن ترميم العلاقات التركية ــ السورية، قد تجد فيه بعض الدول العربية، عاملا إيجابيا من شأنه الحد من النفوذ الإيرانى الذى ازداد عقب الحرب الأوكرانية، بفعل الانشغال الروسى وحاجة موسكو إلى المسيرات الإيرانية فى الحرب.

النص الاصلي
https://bit.ly/3WT4wS5
التعليقات