أزمة الغذاء التى تمر بها مصر اليوم متعددة الأبعاد، الأزمة ارتبط مظهرها بارتفاع أسعار السلع الغذائية الرئيسة؛ الأرز، والخبز، والسكر، والخضراوات، والبقول، والأجبان، والبروتين الحيوانى (اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض، الألبان، والبيض، والأسماك)، كل تلك أغذية يحتاج الإنسان إلى معظمها يوميا، مهما كان مستواه الاجتماعى.
التأثير السلبى الكبير فى أسعار تلك الأغذية ناتج عن الأزمة الاقتصادية التى مرت بها البلاد منذ شهرين، بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية، وتكدس بعض السلع أو المنتجات المعنية بتوافر تلك السلع وعلى رأسها الأعلاف فى الموانئ، نتيجة الحاجة إلى العملة الأجنبية.
التأثير التالى كان خارجيا ممثلا فى الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تأثرت مصر بقصور سلاسل التوريد، ومن ثم ارتفاع أسعار بعض السلع المستوردة كالذرة والصويا والزيت والأسمدة. أما التأثير الثالث والأقل أهمية، فكان خارجيا أيضا، بسبب أزمة جائحة كوفيد19، والتى كانت بداية أزمة الغذاء فى مصر.
وقد اتخذت الدولة العديد من المواقف لحلحلة أزمة الغذاء، خاصة وأنه كان هناك خشية كبيرة على المساس بمنظومة الدعم السلعى الذى يستفيد منه نحو 50 مليون مواطن.
ففى الفترة الماضية تم استصلاح المزيد من الأراضى كى تكون قابلة للزراعة، وكان أحد الأهداف بشأن ذلك هو الوصول إلى 65% اكتفاء ذاتى من القمح بحلول 2025، وتنويع مصادر واردات مصر من القمح لتشمل الهند وبلدانا أخرى، وتحسين ظروف التخزين، وزيادة جودة البذور كى تعطى إنتاجية أعلى. كما سعت الدولة ــ وإن كان ذلك متأخرا ــ للإفراج عن العديد من السلع المكدسة فى الموانئ بتوفير الاعتمادات الدولارية لإنقاذ الموقف من تدهور الأسعار. من ناحية أخرى، ورغم كون الاستعانة بالقروض من أجل الغذاء، ليست هى أفضل الطرق لحل مشكلة الاستهلاك، إلا أن الدولة أعلنت فى شهرى يونيو ويوليو الماضيين عن حصولها على قروض ميسرة من كل من البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى بقيمة 500 و271 مليون دولار على الترتيب، وذلك ضمن برامج لتعزيز الأمن الغذائى وتوفير مخزون استراتيجى من القمح. وكان تقدير مصر لخسائرها من الحرب الروسية الأوكرانية هو ما عزز من تمرير القرضين السابقين، إذ قدرت تلك الخسائر على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولى بـ130مليار جنيه خسائر مباشرة و355 مليار جنيه خسائر غير مباشرة.
وتشجيعا للفلاح سعت الدولة إلى رفع أسعار توريد القمح للعام 2023 إلى 1200 جنيه للإردب، ووافقت الحكومة على مبدأ الزراعة التعاقدية (الاتفاق على شراء المحاصيل من الفلاحين قبل بدء موسم الزراعة) بالنسبة للذرة والبنجر والصويا وغيرها من المحاصيل، وذلك كله عبر تخصيص شركة تسمى أرض الخير، تكون الدولة هى الضامن لعملها.
على أن رغم تلك الجهود فإنه ما زال هناك قصور كبير مؤدٍ لانفلات أسعار الغذاء، وهذا القصور ناتج عن جشع التجار، وأيضا ضعف المجتمع المدنى الكفيل بتنظيم حملات مقاطعة لبعض السلع مرتفعة الثمن، ما يجبر التجار على تخفيض أثمانها وإلا تعرضت للتلف، ومن ثم تعرضهم لخسائر لا قبل لهم بها.
لكن تبقى الرقابة الحكومية، على المدى القصير، هى عصب التحكم فى انفلات الأسعار. وقد صرحت الحكومة الشهر الماضى أنها بصدد إجراءات فورية للرقابة على أسعار السلع الرئيسة عبر الاتفاق مع كبار التجارعلى تسعير 13سلعة غذائية مهمة، لكن حتى اليوم لم يحدث أى مردود إيجابى للوعد الحكومى، وإن كان الأمر الإيجابى هو أن اختفاء بعض السلع من الأسواق الذى ذكر فى الأسابيع الأخيرة، كان مجرد شائعات لإحداث بلبلة فى المجتمع. بعبارة أخرى، المطلوب الضرب بيد من حديد على محتكرى السلع الغذائية، ومستغلى الأزمات، من خلال المتابعة والتفتيش الدورى على سلاسل بيع الأغذية الجملة والقطاعى على مستوى الجهورية، والإعلان فى جميع وسائل الإعلام عن أثر حملات التفتيش والعقوبات المتخذة فى حق التجار، إذ كيف تنحسر أسباب الأزمة، ممثلة محليا فى حلحلة تكدس الموانئ بالسلع بعد قرض صندوق النقد الدولى الأخير، وعالميا فى إعلان الفاو منذ أربعة أيام عن خفض أسعار الأغذية بنسبة 18% فى شهر يناير مقارنة بشهر مارس الماضى، وتبقى تداعيات الأزمة ممثلة فى بقاء الأسعار مرتفعة محليا؟.
على المدى القريب، ورغم التشجيع الحكومى للفلاح بشأن الزراعة التعاقدية، إلا أن إشارة الحكومة الاثنين الماضى بأن الأسعار التى سيتفق عليها للتوريد سترتبط بسعر البورصة السلعية المحلية يوم التوريد، به غبن كبير للفلاح. لأن الدولة تستورد العديد من السلع من الخارج بالأسعار العالمية، المعروف ارتفاعها، فكيف تحاسب الفلاح على التوريد بالأسعار المحلية!! أليس هذا دعما للفلاح الأجنبى وعدم تشجيع للفلاح المصرى.
وعامة، يبقى السؤال هل ستنخفض أسعار الغذاء وتعود لما كانت عليه؟