نشر موقع « درج» مقالا للكاتب «فراس حاج يحيى» حول تعليق عضوية سوريا فى جامعة الدول العربية وقرارات الجامعة بشأن سوريا والآلية القانونية لإعادة سوريا إلى جامعة الدولة العربية.. جاء فيه:
بعد زيارة الرئيس السودانى عمر البشير دمشق فى منتصف ديسمبر الماضى ولقائه نظيره السورى بشار الأسد، وما سبقهما من لقاءات دبلوماسية لمسئولين سوريين رفيعى المستوى مع مسئولين عرب فى أوقات متقاربة توجت بافتتاح السفارة الإماراتية فى العاصمة دمشق نهاية ديسمبر الماضى أيضا، وبعد السجال حول شبق عربى متسارع، لإعادة تطبيع العلاقات مع الأسد ونظامه، وإرجاع سوريا إلى جامعة الدول العربية، ثارت موجة من التصريحات والمعلومات المغلوطة حول الآلية التى تحكم هذه العودة.
هذه الأجواء دفعت الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط فى القمة الاقتصادية التى عقدت فى شهر يناير الماضى فى بيروت، إلى توضيح ذلك بعد لقائه الرئيس اللبنانى العماد ميشال عون، حين قال: «لا مؤشرات حول نضوج الوضع بالنسبة إلى سوريا». ورأى أن «الحديث عن عودتها (إلى الجامعة العربية) ما زال فى الكواليس، ويجب أن يكون هناك توافق سياسى حول المسألة».
محاولات إعادة تعويم نظام الأسد، قادها لبنان الرسمى قبل القمة العربية الاقتصادية فى بيروت وبعدها، على الرغم مما ارتكبه هذا النظام من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السورى من دون رادع أخلاقى أو سياسى. هذه المحاولات رافقها جهل قانونى بميثاق جامعة الدول العربية على أقل تقدير، حول آلية اتخاذ القرارات فى اجتماعاتها، وما يحكمها من قواعد إجرائية قانونية ملزمة، ربما تحاول تخطيها لعبة المصالح والتحالفات السياسية، ولكن تعود لتقيدها الآليات القانونية المعمول بها بموجب هذا الميثاق.
كيف علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا؟
وفى شهر فبراير 2011 علقت عضوية سوريا بقرار مجلس الجامعة والذى نص على تعليق مشاركة وفود الجمهورية العربية السورية فى اجتماعات مجلس الجامعة.
أبرز القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية حول سوريا
ربما يكون من المستغرب اختزال قرارات جامعة الدول العربية خلال السنوات الـ8 السابقة بقرار تجميد العضوية فقط، علما بأنه خلال هذه الفترة بين عامى 2011 و2018، صدر عن الجامعة عشرات القرارات حول الأحداث المتسارعة فى سوريا، حملت فى طياتها اعترافا بالائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة السورية ممثلا للشعب السورى. كما حملت القرارات عقوبات لشخصيات فى النظام السورى ودعوة صريحة إلى بشار الأسد للتنحى، ودعوة المنظمات الدولية إلى الاعتراف بالائتلاف ممثلا للشعب السورى وكذلك تضمنت إدانات جرائم متعددة، ارتكبها النظام بحق الشعب السورى.
هل تخلت الجامعة العربية والمعارضة السورية عن الشعب السورى؟
إثر هذه القرارات التى اتخذتها جامعة الدول العربية، ورفضها أو تأخرها المتعمد لسنوات، فى تسليم مقعد سوريا للائتلاف السورى، وبعد ما حققه النظام السورى من انتصارات عسكرية، تشكل الدعوة اليوم إلى إعادة مقعد سوريا إلى نظام الأسد، مخالفة لكل قرارات الجامعة السابقة، وتخليا واضحا عن الشعب السورى، بخاصة أن ما يتم تداوله لا يتضمن خارطة طريق محددة المعالم لهذه العودة، تضمن على الأقل أن ينفذ هذا النظام القرارات التى أصدرتها الجامعة على مدى تلك السنوات. ويرافق ذلك تقاعس كبير من المعارضة السورية، عن المطالبة بتسليم المقعد للائتلاف بسبب الخلافات البينية الكبيرة بين المعارضات والمنصات السورية المختلفة، والتى قد يرى بعضها أن عودة المقعد إلى نظام الأسد أفضل من تسليمه للائتلاف. وهذا يشكل تنازلا عن حق الشعب السورى الذى منحته الجامعة المقعد، والذى يعتبر المكسب السياسى الوحيد للثورة السورية على مدى 8 سنوات، فشل خلالها الائتلاف فى الحصول على المقعد. أو ربما أُفشل من دول عربية مقربة من الأسد أو من شخصيات معارضة، لا ترى أن الائتلاف جدير بتسلم المقعد. وحتى خلال السجال الأخير مطلع العام حول إعادة نظام الأسد إلى الجامعة، لم يواكب ذلك أى تحرك عملى أو دبلوماسى مفترض لهذا الائتلاف، للعمل على منع عودة نظام الأسد أو المطالبة بالمقعد ولو إعلاميا على أقل تقدير.
الآلية القانونية لإعادة سوريا إلى جامعة الدولة العربية.
فى هذا الجانب، يختلط البعد السياسى للخلافات العربية البينية على هذا الملف، لينتقل تأثيره إلى الآلية القانونية لهذه العملية، إذ نصت المادة السابعة من الميثاق على أن ما يقرره المجلس بالإجماع، يكون ملزما لجميع الدول المشتركة فى الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله. غير أن الميثاق يشترط الإجماع عند اتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان عن إحدى دول الجامعة، أو عند اتخاذ قرار حول فصل أحد الأعضاء من الجامعة أو إعادته. فهذا يشترط الإجماع، ما يعنى أن تصويت دولة واحدة من الدول الأعضاء على رفض قرار عودة سوريا إلى الجامعة، يعنى إبطال القرار وعدم نفاذه، وهذا البند ما زال موجودا حتى الآن، مع رفض بعض الدول العربية عودة النظام السورى إلى الجامعة وعدم حصول توافق عربى على ذلك.
وهذا ما فنده الأمين العام لجامعة الدول العربية فى حديثه عن الآلية المفترضة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فى لقائه مع صحافيين فى قمة بيروت الاقتصادية، عندما قال: «لم أرصد بعد خلاصات بشأن التوافق الذى نتحدث عنه، والذى يمكن أن يؤدى إلى عقد اجتماع لوزراء الخارجية، حيث يعلنون انتهاء الخلاف ودعوة سوريا إلى العودة إلى الجامعة»، وفى هذا الجانب يؤخذ على أبو الغيط تجاوزه أو عدم إشارته إلى قرارات سابقة للجامعة، أبرزها القرار المتخذ على المستوى الوزارى بتاريخ 12/11/2012 رقم /7572/ وما تبعه من تأكيد هذا القرار فى قمتى الدوحة والكويت عامى 2013 و2014. ويقضى القرار بـ«حث المنظمات الإقليمية والدولية على الاعتراف بالائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة السورية، ممثلا شرعيا لتطلعات الشعب السورى وتوثيق التواصل مع هذا الائتلاف، باعتباره الممثل الشرعى والمحاور الأساسى مع جامعة الدول العربية».
وختاما فى حال حصول توافق عربى على إعادة مقعد فى جامعة الدول العربية، إلى النظام السورى، لا بد أن يسبق ذلك قرار يقضى بسحب قرارتها السابقة بالاعتراف بالائتلاف الوطنى السورى، كممثل للشعب السورى وهذا إن غاب عن التصريحات السياسية لمسئولى الجامعة، فهو بالتأكيد لن يغيب عن لجانها ومستشاريها وخبرائها القانونيين، لتجنب حصول أى تضارب فى قراراتها. ولا شك فى أن هذه الأصول الإجرائية فى حال العزم على إعادة نظام الأسد لن تكون مستحيلة، فى ظل غياب أى جهد دبلوماسى وسياسى وقانونى للمعارضة السورية، ورغبة دول عربية كثيرة فى إعادة النظام السورى إلى الجامعة بأى طريقة، وفقا لمصالح سياسية ضيقة لهذه الدول على حساب تضحيات ملايين السوريين وآلامهم. مصالح تقضى بإهدار المكسب السياسى الوحيد الذى جنته الثورة السورية منذ عام 2011 وحتى الآن.