عند الكثير من الشباب، أصبحت الأحزاب السياسية «دقة قديمة»، الانضمام إليها يخلو من «الروشنة».. وقد استمعت بنفسى إلى أحدهم وهو يقول لى ــ وإن كنت لم أعرف إن كان صادقا أم أنه «بيشتغلنى»ــ إننى أستطيع أن أمارس دورى الوطنى مثله بالضبط وأنا فى البيت مستلقيا بــ«البيجاما» على السرير وبجانبى اللاب توب.
بهذا المنطق، تم تنظيم إضراب 6 أبريل الذى تراوحت فيه الآراء، ما بين التأكيد على أنه حقق أهدافه وبين أنه فشل بجدارة، وليتفق الجميع على أن هذا الإضراب كان حلقة جديدة من مسلسل الغضب الذى يغلى فى صدور ملايين المصريين، الذين يتوقون إلى قليل من الحرية والعدالة الاجتماعية تتيح إليهم درجة ما من ممارسة إنسانيتهم المهدرة منذ سنوات طويلة!
وبحسب «أطروحات» أحد الشباب. يمكننى أن أصبح، ببعض الحظ، زعيما سياسيا شهيرا، خاصة إذا تم إلقاء القبض على يومين أو ثلاثة، ففى النهاية سيتم الإفراج عنى، لتتلقفنى مؤسسات عالمية تتبنى قضيتى وساعتها: أنا وضميرى.. فقد يزين لى دماغى أن أنتهز الفرصة وأتمتع بسفريات للخارج.. وقد أرفض هذه العروض المشبوهة وأنام مرتاح البال.. أما لو كنت سيئ الحظ مثل غالبية الشباب فإن أحدا لن يلتفت إلىّ اللهم إلا بعض الأجهزة الأمنية التى ستفتح لى ملفا يحصى على حركاتى وسكناتى.. وأنا أستمتع بجميع حقوق وواجبات أعضاء الأحزاب المحظورة بدون أن يزعجنى رقابة أحد المخبرين المتحمسين!
بهذه المفاهيم البريئة أو الساذجة ــ إن شئنا ــ وجه الإضراب ضربة تحت الحزام لمجمل التجربة الحزبية فى مصر وكشف عن مدى ضعف بنيتنا المؤسسية التى توشك على الانهيار فى مختلف القطاعات، وأثبت حزب الفيس بوك أنه أصبح منافسا شرسا للمؤسسات للحزبية العلنية منها والسرية، فهو الحزب الذى استطاع أن يجتذب عشرات الآلاف من الشباب، بدون أى غطاء أيديولوجى أو أسس فكرية يستند اليها.. وحتى الإخوان المسلمين الذين أكدوا مشاركتهم فيه هذا العام، لم يكن لهم أى تأثير يذكر على هذا الإضراب الذى أثبت منظموه أن إضرابات هذه الأيام لم تعد تحتاج إلى تنظيمات سرية تعمل تحت الأرض، ويحمل أعضاؤها أسماء حركية، ويجتمعون فى أماكن بعيدة عن عيون الأمن.
ولأن رجل الشارع كما يبدو تعامل مع هذا الإضراب وكأنه «وقفة احتجاجية» ينظمها الطلاب لأسباب فئوية خاصة بهم لدرجة أن عمال المحلة الذين أعطوا «المذاق الحراق» لإضراب العام الماضى، أكدوا أن حركة أبريل لم تتصل بهم لتنسيق العمل بينهما..!
وأتصور أن التطور الطبيعى لنشاطات حركة 6 أبريل ينبغى أن ينتهى بتكوين حزب سياسى ديمقراطى، قد يصب بعض الحيوية فى دماء الأحزاب الموجودة ويفتح لها الطرق أمام الشارع بدون أى وصاية حكومية ومحاذير زمنية، لتبلغ أخيرا تجربتنا الحزبية التى أطلقها السادات فى منتصف السبعينيات.. مرحلة النضوج!