تقطع رواية (ما رآه سامى يعقوب) للكاتب عزت القمحاوى الطريق ذاته الذى قطعته الثورة، فقد بدأت مثلها برفع راية الحب، وانتهت إلى لحظة خوف راسخة لا تنتهى.
ومثل كل من شاركوا فى الثورة باعتبارها ورشة للأمل دخل سامى يعقوب تجربة الحب لمواجهة الخذلان والخسارة لكنه وجد روحه فى النهاية ضحية لهذا الرجاء الذى خاب.
وانتهى به الحال موضوعا للتلصص والمراقبة داخل مبنى جرده الكاتب من كل شىء إلا الزهو بجبروت القوة.
تقود الرواية الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية قارئها لاكتشاف مآلات ثورة ٢٥ يناير وإدراك ما كان فى أحداثها من قسوة الفقد ومرارة الغياب، بعد ان تبددت رائحة الامل واستقرت المرارة فى النفوس.
يهدى الكاتب روايته الصغيرة لابنه الذى قضى معه الليلة التى شهدت معركة الجمل لكنه لم يكتب مرثية روائية لهذا الحدث الفارق، فقل تكفلت بذلك الكثير من الأعمال، اختار القمحاوى وضع يده على الجرح الكامن فى ذاكرتنا التى يصطف المفقودون فيها، كصور واشباح، وأراد لنا ونحن فى مجاز القراءة ان نرى أنفسنا عرايا إلا من الجرح ونحن نشيع الأمل ونخاف حتى من استكمال الرغبة فى متابعة قطين قام البطل بتصويرهما بكاميرا تليفونه المحمول وهما فى لحظة حب.
وتبدو هذه اللقطة كحدث مركزى فارق فى الرواية ومنها تنطلق الحكاية وتتمدد معها لحظة الالتقاط لتتحول من زمن عابر لنسيج مقيم، وتبدو أقرب لضفيرة مركزية وما يتشكل حولها أقرب لخصلات تتناسل وتتداخل لتصنع بنية روائية فريدة فى قدرتها على الإيجاز وإزاحة ما هو زائد عن حاجة النص.
تقول الرواية بطريقتها الفاتنة ان الحزن يمكن ان يكون عذبا وأن الناس يمكنهم بعد ذلك ومع شيوع الخوف ان يتحولوا على طريقة فرانز كافكا فى (المسخ) إلى حشرات مذعورة تنقل فى أرجلها لقاح الخوف أينما تحركت، يدرك البطل فى لحظة من لحظات المكاشفة انه ضحية شعور بالقهر تمكن منه ورسم مسارا لحياته التى تابعها كعرض مسرحى لم يتورط فى كتابة احداثه وواجه مشاهده كلها بالابتسام وبشعور اللا منتمى للجماعة رغم انتمائه للمكان.
رفض سامى مغادرة بلاده بعد موت ابيه ضحية لعملية تعذيب منهجى واللافت ان القمحاوى صهر فى صورة ذلك الاب ومزاجه الثورى الكثير من ملامح المناضل الوفدى الراحل عبدالمحسن حمودة، وفى الرواية رفض سامى التخلى عما تركه الاب من شواهد على اثره النضالى وبقى رحيله قطيعة مع هذا الماضى الليبرالى الذى تم تشييعه حين تسلم الابن جثمان والده وكان الموت ندبة تطارد الابن وتبقى عليه فى طوابير المنسحبين حتى جاءته الثورة واستعاد فى طقوسها الشعور بقيمة الأخوة ومعناها فقد عاد شقيقه من ألمانيا التى عاش فيها بصحبة الأم ليكون إلى جوار شقيقه قبل أن يموت دفاعا عنه فى تلك الليلة التى لا تنسى.
ومن يتابع اعمال القمحاوى من السهل عليه ان يربط بين روايته الجديدة ورواية (يكفى اننا معا) التى سبقتها وجرى ترشيحها العام الماضى لجائزة الشيخ زايد، لأن الروايتين فيهما زهوة الاحتفال بفعل الحب وفيهما ايضا سعى لتأطير انكساره، والاهم صياغة فعل الحب فى نسيج الثورة التى كانت فى احد مضامينها إشارة لفورة جسد.
وفى الروايتين ايضا متابعة للقضايا ذاتها ومن ذلك الإصرار على ان يكون الحب معيارا لإدراك تغيير العالم وأن تكون عين الراوى منغمسة فى رصد التدهور فى المجال العام وتقصى الحنان القديم للمدينة والتعامل معه كخط زوال.